الملف يتشابك مع قضايا عديدة تستثمر فيها أديس أبابا داخلياً وخارجياً
تقرير : بهاء الدين عياد
قمة ثلاثية بين إثيوبيا ومصر والسودان في القاهرة عام 2019 بشأن سد النهضة (أ ف ب)
أثارت نية أثيوبيا مباشرة الملء الرابع لسد النهضة في خطوة واسعة على طريق المرحلة النهائية وبدء التشغيل، تساؤلات المراقبين والكتاب الذين انشغلوا على مدار العقد الماضي ببحث تلك الأزمة.
أبرزت التساؤلات من قبيل “هل ما زال هناك مبرر لأزمة تتعلق بالسد؟ وهل كانت الأزمة في السنوات الماضية بالحجم الذي جرى التعبير عنه؟ وهل سارت الأمور باتجاه فرض الأمر الواقع؟ أم أن هناك مكامن أخرى تتضح لاحقاً؟”.
مراقبون حذروا من خطورة استمرار الأزمة من دون حل مرض واتفاق قانوني ملزم في شأن ملء سد النهضة وتشغيله، بينما تظهر رسائل وسائل الإعلام الإثيوبية مدى تشابك الملف مع قضايا عدة من بينها ملف الحرب والسلام ، وطبيعة الاستقطاب والتنازع في العلاقات الخارجية لأديس أبابا بين الولايات المتحدة والصين وغيرهما، وميلها إلى الاستثمار في استمرار الأزمة ونتائجها، على المستويين الداخلي والخارجي.
التحضير للملء الرابع
اختفت عبارة “أزمة سد النهضة” من محركات البحث خلال الشهور الماضية، بينما تظهر قواعد بيانات الأقمار الصناعية المتاحة عبر الإنترنت استعدادات إثيوبيا لمواصلة ملء وبناء السد الضخم على النيل الأزرق.
عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، يرى أن عملية التخزين الرابع تعد الانتهاك السادس لمبادئ سد النهضة التي أعلنت في مارس (آذار) 2015، التي ينص بندها الخامس على التعاون في الملء الأول وإدارة السد، وكذلك جميع الاتفاقات السابقة بين مصر وإثيوبيا، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن في سبتمبر (أيلول) 2021، وجميع الأعراف الدولية عند إقامة مشروعات مائية على أنهار مشتركة، مشيراً إلى أن الانتهاكات السابقة هي التخزين الأول 2020، والثاني 2021، وتشغيل أول توربين في فبراير (شباط) 2022، والتخزين الثالث وتشغيل توربينين آخرين في أغسطس (آب) 2022.
وبحسب ما أظهرته صور الأقمار الصناعية المتاحة عبر الإنترنت، فإن أولى خطوات التخزين هي فتح بوابتي التصريف في الثامن من يناير (كانون الثاني) الجاري لتجفيف الممر الأوسط، ثم تعليته مع جانبي السد خلال الستة أشهر المقبلة، كل متر ارتفاع معناه تخزين مليار متر مكعب، وتسعى إثيوبيا للوصول لزيادة الارتفاع أكثر من 20 متراً.
وبدورها، رأت سمر إبراهيم، الكاتبة الصحافية المتخصصة في شؤون القرن الأفريقي، أنه مع بداية كل عام تبدأ الحكومة الإثيوبية بالترويج لاستعادتها للملء، الذي يبدأ مع موسم الفيضان خلال يونيو (حزيران) ويستمر حتى سبتمبر.
وقالت قبل ذلك تستعد إثيوبيا مع بداية كل عام لملء خزان السد بإزالة الأشجار المحيطة به، وإكمال عمليات الإنشاءات وتعليته، وحسب ما تردد من أنباء أخيراً فإن أديس أبابا تستكمل إجراءات تشييد السد استعداداً للملء الرابع خلال موسم الفيضان المقبل، معتبرة أن ذلك يأتي وسط تجميد المفاوضات منذ فترة، وخرق اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث عام 2015، وخرق المعاهدات الدولية.
الأمر الواقع
ومع نية إثيوبيا البدء بالملء الرابع ربما يتساءل البعض عن مبرر وجود أزمة تتعلق بالسد، وهل كانت الأزمة في السنوات الماضية بالحجم الذي جرى التعبير عنه؟
يعتقد شراقي أن خطوات إثيوبيا في ما يتعلق بسد النهضة تثير أكثر من أزمة، ولا يمكن أن تتوقف أطرافها عن مطالبة أديس أبابا بالوصول إلى اتفاق. وأضاف أن “اتخاذ إثيوبيا للقرارات الأحادية في سد النهضة، سواء بالتخزين أو بالتشغيل، يدعم هيمنة أديس أبابا وعدم احترامها للاتفاقيات والأعراف الدولية، وكل خرق جديد يزيد من التوتر بين مصر والسودان من طرف وإثيوبيا من الطرف الآخر”.
وأشار إلى أنه “لو انتهى سد النهضة من دون الوصول إلى اتفاق يؤكد أن إثيوبيا ستسلك النهج نفسه عند إقامة السدود المستقبلية، وأخطرها ثلاثة سدود كبرى، إجمالي تخزينها ضعف سعة سد النهضة، كما أن ذلك سيشجع بعض دول المنابع الأخرى على تنفيذ المشروعات المائية على حوض النيل من دون التشاور مع مصر والسودان”.
كما يسود الاعتقاد بين المتخصصين بقضايا المياه، بضرورة الوصول إلى الاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا، نظراً لمخاطر السد على الأمن المائي للبلدين، ويستكمل أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة “يقع سد النهضة في أكثر المناطق العالمية التي تتسم بعدم الاستقرار من الناحية الجيولوجية، حيث الفوالق والتصدعات الأرضية والنشاط الزلزالي والفيضانات الكبيرة صيفاً والانحدارات الحادة والتعرية الشديدة وضعف البنية الصخرية، حيث الصخور البركانية البازلتية سهلة التفتت لتكوين الطمي، كل ذلك يشكل خطورة على السد، خصوصاً أن إثيوبيا زادت من سعته الأصلية في الدراسات الأميركية من 11.1 إلى 74 مليار متر مكعب”.
وفي ما يتعلق بالقلق من حجب المياه في ظل الاتجاه العالمي لتسعيرها، أضاف شراقي أن “تسعير المياه لن يطبق على مستوى كبير في معظم دول العالم، خصوصاً منابع النيل وبالتحديد الهضبة الإثيوبية، التي تقع بعيداً من الشواطئ البحرية، وليس فيها أراض قابلة للزراعة بالري، بل معظمها زراعة مطرية، وكثرة الأمطار ستدفع إثيوبيا مستقبلاً لتصريف جزء كبير من المياه المخزنة قبل موسم التساقط الجديد بأشهر عدة، وإلا فالغرق وانهيار السد هو المصير”، كما أن “وجود السد العالي في مصر بسعته التخزينية التي تصل إلى 162 مليار متر مكعب يضمن المياه لمصر في أوقات المنع المحدودة من الجانب الإثيوبي”.
تهديد المنطقة
دأبت القاهرة على التحذير من استمرار أزمة سد النهضة، وتأثيرها في استقرار منطقة القرن الأفريقي ووادي النيل، واعتبرت سمر إبراهيم أن إبقاء أزمة سد النهضة هكذا من دون حل مرض للأطراف الثلاثة يؤثر سلباً في السلم والأمن في قارة أفريقيا، علماً بأن السد يمثل تهديداً لحياة ما يقرب من 160 مليون شخص وأكثر في مصر والسودان، وكذلك يمثل تهديداً لسيادة دولتي المصب.
وقالت إنه “بالنظر إلى مصر، التي تعتمد على نهر النيل في ما يقرب من 97 في المئة من احتياجاتها من المياه لجميع الأغراض، ستتضرر مستقبلاً حصة القاهرة المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب، مما سيؤدي إلى “بور” الملايين من أفدنة الأراضي الزراعية، وتوليد الكهرباء من السد العالي، كما سيؤثر اقتصادياً في البلاد”.
أما في شأن السودان، فرأت “أن نهاية بحيرة سد الروصيرص تبعد 20 كيلومتراً من سد النهضة، بينما يبعد الروصيرص 100 كيلومتر منه، وتبلغ سعته التخزينية واحد على عشرة من سعة تخزين السد الإثيوبي، وفي ظل غياب التنسيق وتبادل المعلومات والبيانات مع أديس أبابا ستكون هناك تهديدات محتملة تتمثل في عدم القدرة على تشغيل الروصيرص، وتهديد لأمان جسور البحيرة الترابية في السد، فضلاً عن تهديد حياة 20 مليون مواطن يعيشون على ضفاف النيل الأزرق، ومن ثم يصر السودان على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لحماية مشاريعه المائية وسبل حياة مواطنيه”.
وشددت على أنه “من دون مخاطبة تلك الشواغل المصرية والسودانية في اتفاق قانوني ملزم ومرض لجميع الأطراف، سيكون السلم والأمن الأفريقي مهدد، ومهدد لحياة الملايين من المصريين والسودانيين”.
قنبلة موقوتة
ومن جهته، وصف الكاتب السياسي السوداني مجدي عبدالعزيز أزمة سد النهضة بـ”القنبلة الموقوتة”، مؤكداً أن منطقة القرن الأفريقي تعد بمثابة مخزن بارود في القارة الأفريقية ، قابلتو للإنفجار في اي وقت .
وقال عبدالعزيز إن “سد النهضة مشروع ضخم للغاية، أولاً له تأثيرات في البيئة والمناخ والجيولوجيا، وما سيقوم به من حجز للمياه يصل إلى 74 مليار متر مكعب يعد تحكماً في المياه الطبيعية التي تستفيد منها شعوب المنطقة في السودان ومصر، بما يهدد الأمن المائي لكلا الدولتين في حال عدم الاتفاق والتفاهم والرضا والالتزام القانوني”.
وأضاف أن “استمرار الأزمة من دون حل سيكون له في المستقبل تبعات بمثابة القنابل الموقوتة في أزمنة مقبلة، ومنطقة القرن الأفريقي غير مستقرة نتيجة صراعات القوميات والشعوب في منطقة الهضبة الإثيوبية، وهناك تداخلات حدودية بين السودان وإثيوبيا وبعض الدول الأخرى، والوضع هش في منطقة القرن الأفريقي”.
وأوضح أن “ملفاً بحجم سد النهضة، الذي له آثار وأبعاد متعددة، لا محالة سيكون له تأثير كبير في خلق الأزمات، لأن مسألة التحكم في المياه تعني بالضرورة التحكم في زراعة ومرعى السكان على ضفتي النيل وسهول السودان، والتأثير في الأمن المائي لمصر، وجعلها بلا حل سيعني خلق مزيد من الأزمات المستقبلية”.
حرب المياه؟
أزمة سد النهضة حولت النهر الذي يعيش على ضفتيه الملايين في إثيوبيا والسودان ومصر إلى مصدر للنزاع والصراع بين الدول الثلاث في ما يتعلق بأمنها وسلامتها المائية والبيئية، نتيجة المقاربة الإثيوبية للسد، التي تعمدت تجاوز الدول المتشاطئة وفرض رؤيتها بما ينذر بدخول المنطقة في مرحلة “حرب المياه”، كنهاية حتمية لعدم الوصول إلى توافق بين الدول الثلاث،
هكذا رأى الكاتب والباحث السياسي السوداني محمد المبروك مسار أزمة السد الإثيوبي.
وقال المبروك “في مارس من عام 2010، بدأت إثيوبيا إنشاء السد من دون إخطار الدول المتشاطئة، مصر والسودان، في مخالفة صريحة للقانون الدولى”، مشيراً إلى أن أديس أبابا “واصلت الإنشاء وتعدته إلى الملء من دون إكمال الدراسات التي نص عليها تقرير لجنة الخبراء الدوليين، والتي تم التأمين عليها في إطار إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في الخرطوم عام 2015”.
وأضاف الكاتب السوداني “لا شك أن عدم الوصول إلى توافق حول أزمة السد بعد مضي قرابة 13 عاماً من المفاوضات يؤكد عمق الأزمة وتجددها، ويشير إلى أنها تسير من تعقيد إلى ما هو أكثر بسبب استمرار الملء وقرب الانتقال إلى مرحلة التشغيل، التي ستنقل السد من مرحلة الفرضيات والاحتمالات إلى التهديد المباشر، عندما يصبح بإمكان إثيوبيا التحكم في النهر، وهو أمر أشارت إليه جهات عديدة في أديس أبابا تحدثت عن النهر كبحيرة إثيوبية، بل وبشرت بإمكان بيع وشراء المياه، كما أن الآثار البيئية للسد ستتداعى يوماً بعد يوم مع تقدم المشروع، مما يعرض السودان ومصر لمخاطر كان يمكن التعامل معها إذا ما غلبت إثيوبيا روح التعاون على الصراع وفرض الأمر الواقع”.
وأشار المبروك إلى أن “الاستراتيجية المصرية تظهر كل مرة أن فيها ثغرات عديدة، وفي السودان هناك انقسام تجاه الموقف من سد النهضة، وهناك عدم استقرار سياسي استطاعت أديس أبابا استثماره جيداً لمصلحتها وعليه يتعين على القاهرة والخرطوم العمل على تدارك وإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
معضلة السد الإثيوبي
مصدر دبلوماسي من العاصمة الأميركية واشنطن قال لـ”اندبندنت عربية”، إن الولايات المتحدة لا تنظر إلى أزمة سد النهضة كأزمة وجودية لمصر والسودان، بقدر ما تراها من زاوية علاقة أطراف الأزمة بمنافسيها الاستراتيجيين روسيا والصين.
وأضاف المصدر “لسوء الحظ، لا تستطيع واشنطن الضغط أكثر من ذلك على إثيوبيا، رغبة منها في منع ارتماء أديس أبابا أكثر في أحضان بكين، في ظل المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة في أفريقيا حالياً، وفق ما أعلنته إدارة جو بايدن صراحة في استراتيجيتي الدفاع والأمن القومي، وتعمل عليه بالفعل”.
ومن جهة أخرى، رأى الأكاديمي الإثيوبي المحاضر في القانون الدولي بجامعة وولو الإثيوبية، ديجين يماني مسيلي، إن توقف المفاوضات وليس استمرارها هو ما أدى إلى وجود أزمة السد، وأن “النهج التعاوني للتعاون حول نهر النيل يمكن أن يحدث إذا جرى ملء وتشغيل سد النهضة وفقاً للقانون الدولي”. معتبراً أن خطوات بلاده “لن تشكل أبداً انتهاكاً للقانون الدولي، بما في ذلك إعلان المبادئ للعام 2015 بين إثيوبيا والسودان ومصر، بالنظر إلى تلك الوثيقة كمصدر للحقوق والالتزامات بين الدول الثلاث حول سد النهضة”.
وينظر الأكاديمي الإثيوبي إلى البيانات السياسية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وعديد من دول العالم على أنها متحيزة لما يسمّى “الأمن المائي لمصر”. مشيراً إلى أن تلك البلدان تنظر إلى مصالحها الجيوسياسية مع أطراف الأزمة، “ومن الحتمي أن تنحاز تلك القوى الخارجية إلى جانب واحد من المعادلة، بما يحقق مصالحهم وليس المصالح الأفريقية”.
ويختتم مسيلي حدثه بالقول “ليس بإمكان أي صور التدخل الخارجي في نزاع سد النهضة سواء من أوروبا أو أفريقيا أن يصل بالأطراف المتنازعة إلى حل دائم”. مؤكداً أهمية الوصول لحل بين أطراف القضية.
افتتاحية “ذي ريبورتر” الإثيوبية تتفق مع ما ذهب إليه الدبلوماسي الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إذ ذكرت أن ملف سد النهضة يمثل تحدياً رئيساً أمام سعي رئيس الوزراء الإثيوبي آبيي أحمد لتحقيق توازن في العلاقات الخارجية لبلاده.
الافتتاحية التي نشرت بجوار كاريكاتير يظهر آبيي أحمد متأرجحاً خلال محاولته المشي على حبل، تشير إلى معاناة العلاقات الخارجية لإثيوبيا مع العرب من برودة شديدة بسبب مجموعة من العوامل ذات الدافع المحلي في المقام الأول.
الصين استغلت التوتر بين إثيوبيا والغرب، بحسب “ذي ريبورتر” التي أشارت في افتتاحيتها المنشورة يوم السبت 14 يناير الحالي، إلى الفوائد السياسية ومليارات الدولارات من المساعدات والقروض التي ربحتها أديس أبابا من الصين والغرب معاً في بداية ولاية آبيي أحمد حين أنهى 20 عاماً من القطيعة مع إريتريا المجاورة، ما جعل “إثيوبيا حبيبة الغرب”.
لكن “هذه العلاقة الحميمة لم تدم طويلاً، بدأت تهدأ عندما اختار الغرب الوقوف إلى جوار مصر والسودان في شأن ملء وتشغيل سد النهضة، ففي منتصف عام 2020 رفضت إثيوبيا محاولة الحكومة الأميركية إجبارها على توقيع اتفاقية ملزمة بشأن الملء، قائلة إنها لن تقبل فترة 12-21 سنة التي اقترحتها القاهرة، وإن لها الحق في ملء السد بوتيرتها الخاصة”.
كما أدى انعقاد مجلس الأمن بشكل متكرر بأمر من مصر والسودان، وإن لم يوفق، للنظر في قرار يدعو إثيوبيا إلى التوقف عن ملء خزان سد النهضة، والضغط من أجل اتفاق ملزم بين الأطراف الثلاثة في شأن تشغيل السد، مما زاد من التوتر”.
ورقة مساومة
الأمور وصلت إلى درجة الغليان بين إثيوبيا والغرب “على رغم أن الغرب وضع إبهامه على الميزان لصالح جبهة تحرير تيغراي، بعد بدء عملية عسكرية من قبل إدارة رئيس الوزراء آبيي في تيغراي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
وتعرضت إثيوبيا لضغط غير مسبوق على أيدي الحكومات الغربية والأمم المتحدة ووسائل الإعلام الرئيسة ومراكز الفكر والجماعات الحقوقية.
وفرضت الولايات المتحدة بشكل خاص عدداً كبيراً من العقوبات على إثيوبيا، وقلصت مساعدتها الاقتصادية، وأنهت قانون النمو والفرص الأفريقي المعفى من الرسوم الجمركية (أغوا) لإثيوبيا، بينما شدت على يد جبهة تحرير تيغراي.
وعلاوة على ذلك، حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أكثر من 12 مرة توجيه اللوم إلى إثيوبيا رسمياً لكن دون جدوى.
وشن الغرب أيضاً حرباً معلوماتية منسقة ضد إثيوبيا من خلال وسائل الإعلام الرئيسة ومراكز الفكر وما يسمى منظمات الدفاع عن الحقوق، وأدت هذه الإجراءات إلى وصول العلاقة بين الطرفين إلى واحدة من أضعف نقاطها في الذاكرة الحديثة”، وفق “ذي ريبورتر”.
إثيوبيا والغرب
ومع ذلك وصلت العلاقات بين إثيوبيا والغرب إلى حالة تحسن، حين التقى وفد برئاسة رئيس الوزراء الإثيوبي مع كبار المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك الرئيس جو بايدن، خلال القمة الأفريقية الأميركية الأولى في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما وافقوا على تكثيف العلاقات الثنائية التي تعود إلى قرن من الزمان.
علاوة على ذلك، أجرى الوفد الإثيوبي في واشنطن محادثات مثمرة مع كبار المسؤولين في صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، حول دعم المؤسسات للإصلاح الاقتصادي الجاري في إثيوبيا وكذلك الحاجة إلى تسوية الديون.
وتعهدت كل من المؤسسات وكذلك الاتحاد الأوروبي ومختلف الدول الأوروبية بتقديم الدعم الاقتصادي لإثيوبيا مع توسع تدفقات المساعدات الإنسانية إلى تيغراي واستئناف خدمات مثل الكهرباء والاتصالات والرحلات الجوية إلى المنطقة.
انعكاسات سالبة
ومن جهته، يعتقد الكاتب السوداني عمار العركي أن “بقاء الأزمة من دون حل له انعكاسات سالبة، ليس على منطقة القرن وحدها، لكن على المنطقة برمتها، باعتبار حالة الاستقطابات الحادة التي تشهدها أفريقيا، كما أن منطقة القرن الأفريقي غير المستقرة في الأساس، سيزداد عدم استقرارها بإطالة أمد الأزمة، بالتالي ينعكس ذلك على كل أفريقيا”.
كما أن إطالة أمد الأزمة سبب مزيداً من التعقيد والتأزم، وأصبح الحل ضمن حسابات صراع النفوذ والتنافس الإقليمي بين القوى العربية وغير العربية الحاضرة في القرن الأفريقي، والاستقطاب الدولي الصينى- الأميركي، خصوصاً بعد جائحة كرونا، وفي ظل الحرب الأوكرانية، ليصبح الحل ضمن المعادلات الدولية وتوازناتها، وليس أزمة يمكن التغلب عليها بين أطرافها.
ويرى مراقبون أن حكومة آبيي أحمد تعمل على استثمار الأزمة داخلياً ودولياً من أجل تحقيق مكاسب عدة، من بينها استقطاب دول حوض النيل ودول الجوار الإثيوبي بدعوى تحقيق السد لفوائد تتعلق بإنتاج الكهرباء أو الترويج للمشروع داخلياً كأيقونة للتحدي والإنجاز، والتلويح به كورقة تفاوض مع العالم الخارجي.
ويحذر العركي من خطورة الأوضاع عموماً في منطقة القرن الأفريقي، فهي منطقة غير مستقرة وفي حالة سيولة وهشاشة أمنية وسياسية، و”استمرار الأزمة سيزيد من تدهور الأوضاع أكثر فأكثر، هذا غير أن إثيوبيا تعمد إلى التسويف والإطالة وكسب الوقت، لأنها أدخلت قضية السد ضمن أجندتها ومكاسبها السياسية الداخلية والإقليمية.