الرواية الأولى

نروي لتعرف

جذور و أوراق / موفق عبدالرحمن

في التَّنمية الثَّقافية

موفق عبدالرحمن محمد


ابدأُ بمشيئة الله وعونه في هذا المقال والمقالات التاليه الغوصَ في مكنونات التنمية الثقافية، ذلك لكون انها مبتغى كلِّ مُثقَّفٍ وناشطٍ وكِيان ثقافيٍّ (مجتمعيٍّ او رسميّ) عاملٍ في سُوحِ الفعل الثقافيّ.
و أجد أنه من المهم و الضروري استكمال جوانب الفهم والمعرفة الكاملة بهذا الموضوع .

_ برز مفهوم التنمية الثقافية كضرورة مُلِحَّة في المشهد العالمي بعد حقبة حركات الاستقلال والتَحرُّر التي شهدتها العديد من الدول الأفريقية والآسيوية ، فبعد التخلص من الاستعمار واجهت هذه الدول تحدياً كبيراً لا يقل أهمية عن التحدي السياسيّ وقتها ، وتَمَثَّلَ محور هذا التحدي في بناء الهُويَّة الوطنية وترسيخ الأصالة الثقافية التي طالما سعت القوى الاستعمارية لطمْسِها كما هو معلوم .
لم يكن هذا المفهوم وليد لحظة واحدة ، بل هو ثمرة محاولات فردية وجهود من عدد كبير من قادة مجتمعيين و مفكرين وسياسيين أدركوا أن التنمية الشاملة لا يمكن أن تتحقق دون أساس ثقافيٍّ متين.

_ اكتسبت فكرة التنمية الثقافية حشداََ واستحساناََ وتداولًا أوسع بعد مؤتمر باندونغ الشهير في العام 1955 ، الذي جمع قادة الدول المستقلة حديثًا في آسيا وأفريقيا، هذا المؤتمر الذي مَثَّلَ علامة فارقة في تاريخ حركة عدم الانحياز ، والذي لم يُركِّز فقط على القضايا السياسية والاقتصادية بل أكد على أهمية التبادل الثقافي والحفاظ على الهُويِّة و التراث .

_ وجدت أن أول ظهور لمصطلح التنمية الثقافية ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالبحث عن الهُويِّة الثقافية ، حيث كان جزءًا مهماً وأساسيا في مفردات النضال ضد ورثة الاستعمار الثقيلة _ و تَضَمَّن المفهوم في ذلك سعيُ الدول لتأكيد ذاتها وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية .

المفهومُ والمبادئُ المُوَجِّهة

يمكنني من خلال ما قرأت تعريفَ التنمية الثقافية بأنها عمليةٌ شاملة تهدف إلى تعزيز القدرات الإبداعية للمجتمع والحفاظ على التراث الثَّقافي وتطويره وتشجيع التنوع الثَّقافي وضمان مشاركة جميع أفراد المجتمع في الحياة الثَّقافية ، وبذلك فالتنمية الثَّقافية ليست مجرد إضافة جمالية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية ، بل هي مُحرِّكٌ أساسيٌّ للتطور البشري الشامل والمستدام، بل و تعتمد عليه التنمية الإقتصادية والإجتماعية لتحقيق أهدافها .

واذكر هنا تعريفاً آخر يقول بأن التنمية الثَّقافية هي المَنْهجيَّة التي تستوعب كل منتجات المجتمع لتحولها في النهاية إلى انشطة فكرية واجتماعية تُمارَسُ في المجتمع ، ويتفاعل معها أفراده بأساليب متفاوتة ، بحيث تكون في النهاية عنصراً أساسياً في تحديث وحفز ادراكهم لواقعهم الاجتماعي وتنمية مداركهم .

ويمكن تعريفُها في جانب وظيفي بأنها _ قيام مؤسسات معينه بطرح برنامج ثقافي معين تعمل من خلاله على تطوير الانماط والأجناس الثقافية .
وهنا يحضرني ما قاله المُفكِّر الجَزائري مالك بن نبي في كون أن الثقافة ليست مجرد معارف ومهارات بل هي نظرية في السلوك تُشَكِّل شخصية الفرد وتُوجِّهُ المجتمع
سآتي بمشيئة الله لاحقاََ للكتابة والحديث حول مشكلة الثقافة عند مالك بن نبي .

هنا يمكن القول بأن التنمية الثَّقافية تعتمد على عدة مبادئ ومُوجِّهات أساسية، أهمها هو وجوب أن تكون التنمية الثقافية شاملةً تشمل جميع فئات المجتمع ، وتعتمد على مشاركتهم في مجمل العمل الثقافي .
احترامُ التَنوُّع الثَّقافي وتشجيع الحوار بين الثَّقافات المختلفة ، ورفضُ أشكال التمييز الثَّقافي . حمايةُ وصيانةُ التُّراث الثَّقافي الماديِّ وغير الماديّ لكونه يُمَثِّل ذاكرة الأمة وعمودها الفقري .
توفيرُ البيئة الملائمة لتشجيع الإبداع والابتكار في مختلف المجالات الفنية والأدبية والفكرية . العملُ علي الاستدامة الثَّقافية بضمان استمرارية الجهود التنموية الثَّقافية للأجيال القادمة ، بحيث لا تقتصر على فترة زمنية محددة .
_ ضمانُ وصول جميع أفراد المجتمع إلى الموارد والفرص الثَّقافية بشكل عادل ومنصف فيما يُعرَف بالعدالة الثقافية .

_ _ فهمُ هذه المبادئ وتطبيقُها يضمن أن تكون التنمية الثَّقافية مُوجَّهةً نحو بناء مجتمعات أكثر إبداعاََ و تماسكاََ واستيعاباََ لذاتها واحتراماََ للآخر .

….

اترك رد

error: Content is protected !!