
بقلم : محمد الفاتح عبدالقادر *
لازال كثير من الذين يكتبون عن علاقة امريكا بالسودان يتحدثون عن انحطاط القيم الاخلاقية فى السياسة الخارجية الاميركية و من بينهم رؤساء صحف يتناولون الموضوع بسطحية مفرطة و تخلص من كتاباتهم الشتيمة و السب للولايات المتحدة و لاغير و هم لازالوا يسبحون فى دوامة و عقلية عهد امريكا قد دنا عذابها و كأننا يا زيد لا رحنا و لا جينا.
و نتساءل منذ متى بنيت العلاقات الدولية بين الامم على الاخلاق و القيم ؟
العلاقات الدولية ترتكز على قيم المصالح و المنافع المشتركة و فى سبيل تحقيق تلك الاهداف تقوم كل دولة بتبنى الوسائل التي تخدم مصالحها و تتجلى المكيافلية فى أسمى معانيها و تتنوع صور العلاقات بين الدول من سلمية باشكالها إلى حالة حرب و عداوة باشكالها المختلفة و القوى عسكريا او اقتصاديا و سياسيا يأكل الضعيف.
هنالك دول تعرف كيف تخدم مصالحها و اخرى لا تدرى كيف تخدم مصالحها و خاصة الأنظمة الديكتاتورية القمعية الفاسدة والتى هدفها تحقيق مصالح فئة قليلة فاسدة.
السياسة الخارجية انعكاس لنوع النظام السياسي فى بلد ما اذا كان هذا النظام شمولياً او ديمقراطيا حر و العمل الدبلوماسي و سيلة من و سائل تحقيق اهداف السياسة الخارجية بالإضافة إلى استعمال القوة و العمل العسكري و الوسائل الاقتصادية لتحقيق السياسة الخارجية و هنالك فرق شاسع بين كفاءة الدبلوماسى و قدرته التفاوضية بين الدول المتقدمة و العالم الثالث.
المجتمع الدولى و المنظمات الدولية مفهوم هلامى تتحكم فيه المصالح الدولية و هى احد و سائل الدول العظمى فى تحقيق مصالحها و لن يستطيع العالم الثالث تحقيق مصالحه من خلال ما يسمى بالمجتمع الدولي و هذه المنظمات الدولية الفاسدة الكسيحة كالامم المتحدة او الاقليمية كا الاتحاد الأفريقي او جامعة الدول العربية والتى لا وجود لها .
العالم يحترم و يسمع للقوى و المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف.
فهم ما ذكرنا أعلاه يساعدنا فى فهم السياسة الخارجية لترمب و الذى كان واضحا جدا فى تحديد اهداف سياسته الخارجية واستراتيجيتها foreign policy is economic policy و تلك كانت استراتيجية احمد خير المحامى وزير خارجية حكومة عبود عليه رحمة الله و عندها كان السودان دولة ترفع لها القبعات و يهابها الاعداء و خاصة فى نطاقنا الاقليمى. احمد خير دعا سفراء السودان للاجتماع به فى الخرطوم و قال لهم عايز منكم تخلوا سفاراتنا كناتين و هى جمع كنتين للكلمة الانجليزية canteen و تعنى بقاله و فى ذالك الزمان كنا نستعمل كلمة كنتين اكثر من كلمة بقاله و يطول الكلام فى هذا الجانب.
دونالد ترمب يدير سياسته الخارجية كما أدار احمد خير وزارة خارجيتنا فى عهد حكومة عبود مع اختلاف الزمن و التكنولوجيا حينها شهد السودان رخاءاً اقتصادياً رغم حرب الجنوب و العامل الاقتصادي لم يكن سبباً لقيام ثورة اكتوبر المجيدة بل مشكلة الجنوب.
علينا عدم الانزعاج لإعلان ترمب عقوبات اقتصادية على السودان و الذى ليس له علاقات و تبادل تجاري كبير مع الولايات المتحدة و كذالك عدم الانزعاج من تصريحات الخارجية الأميركية و استخدام قواتنا المسلحة لأسلحة كيمائية و كل ذالك ارضاء و ضحك على دويلة الامارات و التى لن يكون لها وجود مع الحوثيين و ايران لولا اتفاقية الدفاع المشترك للإمارات مع الولايات المتحدة و ال 1.2 Trillion جزء من تكلفة الحماية الامريكية للإمارات و المصالح الأمريكية فى الامارات و ينطبق ذالك على دول الخليج الأخرى .
استراتيجية الولايات الامريكية و سياستها فى المنطقة و بالأخص امن البحر الأحمر لن تسمح للإمارات او إسرائيل او غيرها to dictate
او manipulate السياسة الامريكية في المنطقة .
من ناحية أخرى الولايات المتحدة ليست لها كروت تفاوضية كثيرة مع السودان مستقبلا و الولايات المتحدة الأمريكية تعرف جيدا إن مصالحها الاقتصادية المستقبلية كبيرة جدا مع السودان و بموارده الاقتصادية الضخمة و خاصة المعادن حيث مستقبل ثورة الذكاء الاصطناعي AI الذى تقوده الان ، و الولايات المتحدة الأمريكية لن تضحى بالسودان الجائزة الكبرى من اجل دويلة الامارات و تحذيرات ماركو روبيو وزير خارجية ترمب للإمارات و عدم التمادي و الانغماس فى الشأن السودانى و السياسة الخارجية الامريكية تعتمد على التوازن فى تحقيق اهدافها و يضعون الدور المصرى و السعودى فى الحسبان و عينهم على ازدياد النفوذ الصيني و الروسي في أفريقيا و امن البحر الأحمر.
يتبقى السؤال المهم والذى يجب أن نجيب عليه:
هل سياسة الولايات المتحدة الامريكية و ترمب نحو السودان هى المسوُل الاول و الوحيد عن تدهور علاقتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها و على ما نحن فيه من محنة و كارثة اليوم ؟؟؟
الاجابة فى راى تكمن فينا و فشل سياستنا الخارجية و كل القيادات السياسية التى حكمت السودان و منذ حكم النميرى و بداية الانهيار السياسي و الاقتصادي للسودان وفترة حكم الانقاذ الكارثية و الفشل الذريع للفترة الانتقالية الاخيرة. تراكم حقب من الفشل فى سياساتنا الداخلية و الخارجية و الشعب السوداني الذى قام بثلاث ثورات عظيمة مغلوب على امره.
*رئيس اللجنة السياسية لمجموعة مساندة القوات المسلحة بامريكا و المهجر