عادل الباز
1
قوات الدعم السريع تتبع إلى القوات المسلحة بنص القانون والاتفاق الإطاري نفسه، فما الموقف المتوقع من أي قوات مسلحة في العالم تمرد فصيل منها أو تمردت قيادات ذلك الفصيل؟
صمت تام ولولوة؛ لا أحد يخرج ليجيب على هذا السؤال مباشرة.. همهمات بوقف الحرب والإنسانية والتفاوض.
الذين يهرفون الآن بالدعوة للتفاوض نسألهم: التفاوض مع مَن وفيمَ؟ إذا تمرد جزء من الجيش وأشعل الحريق وتم دحرة أو السيطرة عليه ففيم التفاوض؟ علماً بأن الذى تمرد ليس الدعم السريع لأن معظم تلك القوات سلمت للجيش دون مقاومة فى 16 ولاية، الذى تمرد هي قيادة الدعم السريع من آل دقلو، ذلك هو التوصيف الصحيح لما يجرى.
2
قال أحد الضباط بمكتب القائد العام للجيش (هذه الأيام نعمل على مدار الساعة ونستقبل عشرات الإتصالات الإقليمية والعالمية.. فكلما اتصل رئيس دولة يستفسر أو يحاول أن يطرح مقترحاً للحل.. سأله البرهان: لو أن قوة عسكرية تتبع لجيشكم وتمردت ورفضت الانصياع للتعليمات وهاجمت مقار قوات الجيش والسيادة الوطنية لبلدكم ماذا ستفعلون في بلادكم؟ يرد الرئيس أو المسئول سنعتبرها عدو وسنضربها.. يرد البرهان: (إذن اتركونا فأمامنا عدو ونحن الآن مشغولون بضربه).
ولكنهم لم ولن يتركوه رغم أن هذا المنطق بسيط وواضح.. لأن الغرض هو إيقاع الجيش في فخ الهدنة بدعاوى إنسانية ثم الضغط لتمديد الهدنة تحت لافتة حماية المدنيين والأوضاع الانسانية ثم تتصاعد الضغوط للتفاوض.
3
تجرى الدعوة التفاوض تحت دعاوى زائفة وهى أن التفاوض وحده من شأنه أن ينهي الحرب ويجلب السلام ويحافظ على المدنيين، وذلك عكس كل التجارب الإفريقية التي اندلعت فيها حروب ولم يتحقق النصر فيها لطرف، الدرس المستفاد من تلك التجارب يقول إنه ما إن تندلع حرب في منطقة ما وتبدأ علامات النصر لطرف إلا ويهرع ما يسمى بالمجتمع الدولي لإنقاذ عملائه أو حلفائه فتتعالى دعواته لإيقاف الحرب والتفاوض لأسباب انسانية.. حين يتحقق الهدف وهو إيقاف البنادق والجلوس على طاولة المفاوضات تبدأ الضغوط على الطرف المنتصر غير العميل ليقدم التنازلات المرة بفعل التهديدات بسيف العقوبات التي يجري التلويح بها ويجد ذلك الطرف المنتصر نفسه قدم من التنازلات ما ليس بوسع الطرف الخاسر المتمرد أن يكسبه في ميدان القتال ولو قاتل ألف عام.
4
إذا أبرم اتفاق لوقف لاطلاق النار أو تم توقيع اتفاق سلام تحت هذه الضغوط سيكون هشاً غير قابل للحياة، ولكنه قد يستمر لفترة قدرها الباحثون بخمسة أعوام تصمت خلالها البنادق، وفي الأثناء يبدأ الطرفان ببناء قدراتهما مرة أخرى ويتسلحان بشكل أقوى ويظل التربص قائماً بين الطرفين لتندلع حرب أخرى فى غضون بضع سنوات أعنف وأشد من الأولى.
الذين تتعالى أصواتهم الآن يتباكون على حقوق الإنسان والقتل والدمار كان عليهم الإصغاء لصوت العقل قبل أن تندلع الشرارة وتظهر ملامح اندحارهم، والآن بعد وقع المحظور لايفيد ضرب الكواريك والاستنجاد بالمجتمع الدولى ليدعم حلفاءه أو عملاءه متكئاً على بندقية المليشيات.
5
قال وزير خارجية إثيوبيا حين بدأ المجتمع الدولي ليفرض ضغوطاً لإيقاف الحرب فى إقليم التقراي ومحاولاً فرض شروطه على إثيوبيا (إن المشهد السياسي والأمني في أفريقيا يسير على طريق المحن، وإن الإطاحة بالحكومات بالقوة، والعدوان، تجدد الشهية للتدخل في الدول ذات السيادة، وللتخريب والارتزاق، ما لم نغير المسار بسرعة ستكون هذه جولة أخرى لزعزعة استقرار أفريقيا وحرمان الأفارقة من حق تقرير مصيرنا).
6
هل ذلك يعنى أنني ضد إيقاف الحرب؟ بالتاكيد لا.. ولكن متى تتوقف؟ الطرف الذي يوقد الحرب لايمكن أن يحدد أيضاً متى يوقفها وفي كلمة بليغة لصديقى الكاتب الطاهر ساتى قال (إن الذي أطلق الرصاصة الأولى يجب أن لا يحدد متى يتوقف الرصاص).. ثم ليس عدلاً أن نقول لأبطال الجيش الآن وهم ضحايا الغدر أن يتوقفوا عن قتال المليشيات الغادرة بعد مئات الشهداء من رفاقهم، فالدم لا يزال فى ثيابهم.. على القتلة الغادرين أن يتوقفوا عن القتل ويستسلموا طوعاً لتتوقف الحرب، لن يقبل أحد من قادة الجيش بالوقع فى فخ التفاوض.. ولو تجرأ واستجاب للضغوط أيٌ منهم فسيدفع الثمن كاش وبأيدى مَن يقاتلون الآن ويدفعون الثمن أرواحهم وهم أكرم منا جميعاً.