الرواية الأولى

نروي لتعرف

الرواية الأولى / مجدي عبدالعزيز

عودة لرسالة “الشيخ محمد” إلى رئيس الوزراء

مجدي عبدالعزيز

▪️في زمنٍ تعود فيه الروح إلى جسد الدولة السودانية المثخن بالجراح، وتُعاد فيه كتابة معادلة الحكم بعد أن خلّفت الحرب قسوتها، في 12 يونيو الماضي نشر العارف بالله الشيخ محمد الشيخ حسن الشيخ الفاتح الشيخ قريب الله – شيخ ومرشد الطريقة السمانية – رسالة موجّهة إلى دولة رئيس الوزراء د. كامل إدريس الطيب عقب تعيينه في هذا المنصب الرفيع.

▪️ورغم أن الرسالة نالت حظها من التقدير لدى من اطّلع عليها آنذاك، فإنني أعود اليوم لاستعراضها، وقد تأخرت في ذلك؛ لا تقليلًا من قدرها، ولا انشغالًا عنها، ولكن لأن التوقيت العام كان مشحونًا بأحداث جسام، فلم أجد اللحظة المناسبة لعرضها. واليوم، أكتب عنها على قاعدة: “أن تأتي متأخرًا، خيرٌ من ألا تأتي أبدًا”، فهي رسالة لا تسقط بالتقادم، بل تزداد قيمتها مع الزمن، لأنها ليست خطابًا بروتوكوليًا عابرًا، بل وثيقة روحية ووطنية تستحق الوقوف عندها بإمعان.

▪️لقد كانت رسالة الشيخ محمد في ظاهرها نصيحة خالصة لرئيس الوزراء، لكنها في جوهرها تعبير صادق عن مدرسة كاملة في فهم الدولة والدين والمجتمع، تلك المدرسة التي تمثلها الطرق الصوفية في السودان، لا سيما الطريقة السمانية ذات الجذور الممتدة في التاريخ، والتأثير العميق في حياة الناس.

▪️لم يطلب الشيخ مالًا ولا منصبًا، ولم يتحدث عن حظوظ النفس أو مطالب الجماعة، بل كانت دعوته خالصة: أن يُقيم رئيس الوزراء ميزان العدل، وأن يحفظ عقيدة أهل السودان، ويُقيم شرع الله، ويوحّد الجيش، ويوقف الفتن، ويرد الحقوق، ويقتصّ للمظلومين، ويُعوّض المتضررين، ويضمن للمواطنين أسباب الحياة الكريمة من أمن ومعاش وخدمات.

▪️ولم تخلُ الرسالة من التحذير النبيل : أن الطاعة مرهونة بطاعة الله، وأن من أعرض عن أمر الله فمخالفته حق مشروع، وأمره غير متبوع. هذه ليست لغة تحدٍ، بل لغة النصيحة الصادقة من قلبٍ مشفق على البلاد وأهلها، ولسانٍ عارفٍ بمقام الحاكم ومسؤوليته.

▪️هذا الخطاب لا يمثل فقط موقف شيخ أو طريقة، بل هو تعبير عميق عن أن الصوفية ليست طقسًا روحانيًا فحسب، بل هي مشروع اجتماعي وسياسي وأخلاقي، يقوم على ركيزتين: الإصلاح باللين، والتقويم بالحكمة.

▪️لطالما لعبت الطرق الصوفية في السودان أدوارًا مفصلية في تاريخ البلاد: من نشر الدعوة إلى مقاومة الاستعمار، ومن التعليم والإطعام إلى فض النزاعات والمصالحة المجتمعية، ولهم عند الشعب مكانة محفوظة، ولدى الدولة دور لا غنى عنه، لا سيما في أوقات الانتقال وبناء الإجماع.

▪️رسالة الشيخ محمد تذكير بأن السودانيين –في عمقهم الشعبي والديني– لا يزالون يطمئنون إلى المرجعيات الروحية الأصيلة، ويرجون أن تكون الدولة على وفاق مع قِيمهم الدينية والوطنية، بعيدًا عن الاستقطاب الأيديولوجي أو التبعية الخارجية.

▪️فهي، إذن، رسالة موعظة وحكمة، وتذكير وأمل، تصلح أن تُعلّق في دواوين الحكومة وفي قلب كل مسؤول، لا لكونها خطابًا من شيخ جليل فحسب، بل لأنها تعبير صادق عن صوت الشعب، حين ينطق لسان أهل الطريق.

▪️ونسأل الله أن يكون رئيس الوزراء عند حسن ظن أهل الصلاح، وأن يعينه دعاء الصالحين، وأن يمضي على درب الإصلاح بصدق وإخلاص، فذلك ما ينقذ السودان ويُعيد له سلامه وعدله وكرامته.

،، والي الملتقي ..

تعليقان

  1. نحن في احوج ما نكون الي النصح والعدل الاجتماعي ونبذ الفرقة والشتات وما احوجنا الي هذه النصيحة الغالية من اناس همهم انصلاح حال الوطن ويدعون بكل محبة والفة ومؤدة وانسانية للتشاور و النصح بكل ادب موروث يجري في دمهم بكل تجرد ونكران ذات.

اترك رد

error: Content is protected !!