15 نوفمبر 2024م
القاهرة
منذ انبثاق الحركة السياسية السودانية قبل الاستقلال عند تكوين مؤتمر الخريجين في 12 فبراير 1938، تشكلت الأحزاب السودانية من بين ثناياه لتقود الحركة السياسية السودانية قبيل وبعد استقلال السودان في الأول من يناير 1956، منذ ذلك التاريخ لوحظ بأن هناك اختلافات بين الأحزاب السياسية السودانية وبين الجماعات المكونة للأحزاب نفسها حول منهج وأسلوب الحكم الذي من المفترض أن يكون الدستور (القانون الأساسي للدولة) هو الذي يقيد الأحزاب المختلفة لتعمل وفق نصوصه المتفق عليها.إلا أن التعصب الأيديولوجي والولاء الأعمى للحزبية والاختلافات العميقة في وجهات النظر داخل عضوية الأحزاب نفسها عمقت الانقسام داخل الحركة السياسية السودانية ذات التوجهات الدينية والأخرى ذات التوجهات العلمانية وفي نفس الوقت أنتجت اختلافات بين الراديكاليين والتقليديين في الأحزاب الطائفية.
كل هذا أدى إلى غياب منهج التراضي وتنظيم الاختلاف بين هذه الأحزاب، ووضع دستور متفق عليه يعبر عن آمال وتطلعات الشعب السوداني.
هذا الوضع أيضاً قد قاد إلى اتباع منهج الإقصاء الذي أنتج الانقلابات العسكرية، مما أجهض تجربة الديمقراطية في السودان ثلاث مرات متتالية (1958، 1965، 1986). وولّد مبررات أدت إلى انبثاق ظاهرة العنف المسلح في السودان وتشكيل حالة من الاستقطاب الحاد والمنافسة عبر أدوات العنف المسلح لتحقيق التغيير السياسي الذي أشعل حرب 15 أبريل 2023م التي فاقت من أزمات السودان على جميع المستويات.
بتمعننا في هذه الفذلكة التاريخية نجد أن القوي السياسية في شكلها الحالي تتحمل الجزء الأكبر من فشل قيام المشروع الوطني الذي كان بالإمكان أن يجنب السودان الكثير من اراقة الدماء ويمنع تدهور النظام السياسي والاجتماعي ويحصن السودان من اختراقات الأمن القومي.
وهنا يأتي السؤال! هل تعتبر القوي السياسية والمدنية هذه المرة من حرب 15 ابريل وتغير في قواعد اللعبة وتتوقف عن استخدم الأدوات القديمة لكسر عظم الآخر وتعمل من اجل تحقيق توافق وحلول تقود السودان للخروج من أتون الحرب عبر التداول السلمي للسلطة وتتبني قيام المشروع الوطني وفقاً لمقتضيات الاجندة الوطنية خصوصاً بعد التطورات الكبرى التي طرأت على الصعيد الدولي في ملف الحرب في السودان بعد مرور 18 شهراً من شن العدوان من قبل مليشيات الدعم السريع الإرهابية وجناحها السياسي وداعميها الإقليمين على الشعب السوداني وقواته المسلحة؟ هذا ما سوف تكشفه لنا الأيام القليلة القادمة والتي سوف تكون حبلى بمتغيرات كبري ترمي بظلالها على المشهد السوداني خصوصاً بعد جلسة مجلس الامن الأخيرة الخاصة بالحرب في السودان.
إن المجتمع الدولي و بالمكشوف بات ينادي بعملية تسوية سياسية تفدي الي إيقاف و انهاء الحرب في السودان و تستعيد مسار التحول المدني و هذا ما قد أوردته عدة دول علي لسان مندوبيها داخل الجلسة الأخير لمجلس الامن بتاريخ 13 نوفمبر 2024 بل و ذهبت دول أعضاء دائمة في مجلس الأمن الي أبعد من ذلك و بدأت فعليا في التمهيد لهذه التسوية السياسية و ذلك باعترافهم بمشروعية المؤسسة العسكرية في دفاعها عن الشعب السوداني ومقدراته و بإصدارها قرارات تدين مليشيات الدعم السريع الإرهابية و تحظر التعامل مع قادتها دولياً كما جاء في قرارات وزارة الخزانة الامريكية الأخيرة بفرض عقوبات على قادة الدعم السريع وأبرزهم القوني حمدان دقلو، علي يعقوب جبريل، وعثمان محمد حميد واخرون اضف الي ذلك اعلان العديد من القوي الدولية عدم احترافها بجسم فاقد الشرعية قحت /تقدم كممثل لصوت الشعب السوداني و رفضهم التام لمشروع القرار الذي تم اقتراحه من قبل مجموعة قحت/تقدم فيما يختص (بالتدخل الدولي لحماية المدنيين بفرض مناطق امنة وحظر شامل للطيران علي جميع أنحاء السودان ) كما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش في جلسة مجلس الامن الأخيرة بشان الحرب في السودان و التي ذكر فيها (في الوقت الحالي، لا تتوفر الظروف اللازمة للنشر الناجح لقوة تابعة للأمم المتحدة لحماية المدنيين في السودان. الأمانة العامة للأمم المتحدة تقف على أهبة استعداد للتواصل مع مجلس الأمن وجهات أخرى حول مجموعة من الوسائل التشغيلية التي يمكن أن تسهم بشكل مجدي في تقليص العنف وحماية المدنيين”.).
بهذه الإشارات والدلائل الواضحة من قبل المجتمع الدولي يتضح جلياً بأن المجتمع الدولي يسعي الي احداث تسوية سياسية شاملة في السودان وهنا يأتي دور النخب السياسية السودانية في تحقيق مصالح السودان العليا عبر الحوار الجاد والبناء على إنهاء الأزمة السياسية في السودان لأنهاء الحرب. هذه هي التذكرة الأخيرة من المجتمع الدولي الي القوي السياسية والمدنية السودانية لإفراز توافق ينهي حالة الانقسام الداخلي فهل تستطيع القوي السياسية السودانية بالعبور بالسودان الي بر الأمان هذه المرة وتأخذ بالحسبان مطالب الشعب السوداني المقتصرة علي رفضه للقوي السياسية الداعمة لمليشيات الدعم السريع الإرهابية و جميع التدخلات الخارجية في شانه الداخلي.