
د. اسامة محمد عبدالرحيم
استمعت كغيري و على مدى يومين لعدد من التسجيلات المصورة للهارب المليشي عبدالرحيم دقلو بعد انهزام قواته و طردها من مواقعها بالخرطوم و اتجاهها فارة غربا. و رغم ان فكرة الاهتمام بما يقوله او ينتجه مثل عبدالرحيم عديم الرحمة تظل فكرة سخيفة الا انه من الحكمة ان يعرف الانسان الشر ليتجنبه.
و من حيث لا يدري و لا يقصد اثبت الهارب المعرد عبدالرحيم جملة من الحقائق، نلخص منها و لا نحصرها في الاتي:
- • كل الحراك الذي يقوم به القائد المليشي في جنوب دارفور، انما يؤكد هزيمة المليشيا و بداية انفراط حبات عقدها و ذهابها ادراج الرياح، لذا ياتي هذا النشاط محاولة اخيرة لاستعادة التماسك عسكرياً بتخريج و استنفار مقاتلين جدد و سياسياً بمحاولة فرض سلطة سياسية لها أمن و شرطة و حاكم و نيابة و قضاء و خلافه من مؤسسات الحكم.
- • ان قيادة المليشيا المتمردة تعاني من فقدان السيطرة على افرادها و قواتها من واقع التهديدات للهاربين بالعودة و الا فالمحاكمات سوف تطالهم.
- • تعاني المليشيا المتمردة في كل سلسلة الامداد من توفر المركبات و السلاح و الذخيرة و كذلك المؤن و الاغذية، يوضح ذلك النداءات التي اطلقها الهارب المليشي لاصحاب المركبات ذات الدفع الرباعي و البكاسي ذات القمرتين(دبل كاب) و السيارات اللاندكروزر للمشاركة بعرباتهم و استخدامها لنقل القوات و في القتال، و مما يؤكد ذلك من ناحية اخرى توجيهاته لمحاكمة من يبيع السلاح و الذخيرة.
- • عملية بيع السلاح و الذخيرة نفسها و التي اقرها الهارب المليشي، تدل على ان القوات تعاني في توفير المرتبات و الحقوق المالية لافرادها و منسوبيها مما يضطرهم لبيع لسلحتهم و ذخائرهم في وضع عسكري و امني غير مستقر، كذلك فيه دلالة على انهم تركوا القتال و انصرفوا لشأن غيره.
- • تضخيم اعداد المتخرجين الذين وثقتهم كاميرا تصوير الحدث، محاولة لارسال اشارات معنوية لقواته و نفسية لخصمه، لكن تظل الحقيقة ان اعداد المتخرجين تقل كثيرا جدا عن العدد المذكور (20 الف متخرج)، بل نؤكد انه في اقصى حالاته لا يتجاوز 5 الف متخرج، ناهيك عن يكون حتى هذا العدد مستجلب فقط بغرض الحشد من ذات القوات و ليس تجنيد جديد.
- • من الحقائق، ان المليشيا تعاني من انتقاد داخلي بالتمييز على اساس عنصري او مناطقي، و هذا ما حاول ان يعالجه و يغطي عليه الهارب المليشي بذكره ان حراسته الشخصية شاركت في الدفاعات بنيالا و سوف يدفع بها الى مقدمة القوات للقتال.
- • المخاطبات تؤكد اعترافا ضمنيا بالهزيمة في الخرطوم و وسط البلاد، مما جعل الهارب المليشي يبحث في فاصل من (الردحي) عن مبررات لما حدث و التي جاءت في جملتها مبررات فطيرة و لا ترقى لمغالبة الواقع.
- • المخاطبات كذلك، اكدت واقعية افتقاد المليشيا المتمردة لاي هدف سياسي او عسكري ذو قيمة.
- • المخاطبات جاءت محتشدة بكافة الوان التناقض في المعاني و المضامين التي حاول الهارب ان يوصلها و كل قيمة إنسانية او سياسية او قانونية عدلية او خلافه اراد الهارب المليشي ان يثبتها انما اثبت نقيضها تماما و ليس ادل على ذلك من احتضانه و هو على منصة المخاطبة لطفل بكامل لبسه العسكري و يعتمر الكدمول ثم يتحدث هو عن عزمه توفير مستقبل لهولاء الاطفال ليتعلموا و يتفرغوا للتحصيل.
- • التاكيد على ان اكثر ما تخافه المليشيا المتمردة الان هو الحرب الذكية و الحرب الفنية التي تستخدم الطيران المسير و الطيران المقاتل و الاسلحة الموجهة، و يبدو ذلك من المحاولة لاستفزاز خصمه بالقتال بالمواجهات المباشرة لقوات المشاة (راجل لراجل) او كما قال.
- • الهارب المليشي حاول ارسال عدة رسائل في بريد الداعمين و مخاطبة اجندتهم بحديثه عن الارهاب و الاسلاميين استجداءا لاستمرار الدعم و ادامة الكفالة.
- • اعلان الاستنفار، و ادعاء الهارب بانها اول مرة يعلن فيها الاستنفار، انما هو تاكيد على ضعف او صعوبة الاستمرار في استجلاب المرتزقة من خارج الحدود اما بسبب الضغوطات الدولية او بسبب ضعف و قلة موارد التمويل لهذه العملية ذات الكلفة العالية، الامر الذي يضطرهم بالاستعواض للقوات من الداخل و من مناطق الحواضن الاجتماعية، كذلك ان عملية الاستنفار نفسها تؤكد ان ما فقدته قوات المليشيا في عنصرها البشري و افرادها يشكل رقما مهولا.
- • اتهام الهارب المليشي لاعضاء وفد التفاوض بانهم كيزان و فلول (ان افترضنا جدلا انها تهمة)، فيه شهادة لهم و قلادة تعلق على صدورهم بانهم مفاوضون بارعون وطنيون لا حزب لهم الا هذا الوطن ، و هذا هو عين ما نشهد لهم به.
- • تحدث الهارب المليشي عن معاناة الشعب السوداني من دولة 56، و هو يؤكد بممارسة قواته على الارض فعلا و عملا و قولا ان ما عاناه الشعب السوداني بسبب مليشياته هذه و منها في سنتين فقط لن تحصيه كتب التاريخ في مئة عام قادمة.
- • التوقيتات الزمنية المصاحبة لتوجيهات الهارب المليشي لقواته و قادتها من شاكلة(72 ساعة، ساعات، 3 اشهر.. الخ) ، كلها دلالة على ان الهارب المليشي في عجلة من امره للحاق بمعالجة وضع مختل و غير مستقر للمليشيا، منعا لانهيارها او تفلتها او تمردها، او انقسامها.
- • انتقاء الهارب المليشي لمناطق بعينها و استهدافها بالحرب، يهزم كل سرديات اسباب و جذور الصراع و يعود بها خائبة خائرة مختزلة في مفهوم عنصري بغيض و مرض نفسي اجتماعي اساسه الشعور بالدونية و يجعل الحرب سبب الحرب فعلا جهل و خيانة و تآمر قادة المليشيا مع اصحاب الاجندة الاقليميين و الدوليين في محاولة تقسيم السودان و تفتيت عضده ليسهل التهامه.
- • المخاطبات مع هزيمة المليشيا في الخرطوم و الجزيرة و النيل الازرق و فرارها غربا، كل ذلك يؤكد الاعلان و بشكل واضح عن انتهاء مرحلة (حرب المدن) و الانتقال الى (الحرب التقليدية) في الوديان و الريف و السهل و الجبل و التي بكل تاكيد لها اساليبها و ادواتها.
- • الاعتراف و التصريح و التبرير البائس من رجل قيادي(مجازا) بان اختيارهم مسرح المعركة في الخرطوم كان خطأً و بعد عامين من القتال و الذي خلف دمارا و خرابا و انتهاكات غير مسبوقة في الحقوق العامة و الخاصة، انما يؤكد طيش و توهان و عدم المسؤولية الاخلاقية و التردي في مستوى قيادة المليشيا و افتقادها للكفاءة التي تجعلها جزءا من قيادة المجتمع و رمزيته.
- • و هو يستعرض حلفاءه، ذكر الهالك في من ذكر (مجلس الصحوة) ، مما يستدعي تمحيص موقف موسى هلال غير الواضح و هل يعني فعلا مجلس الصحوة المنسوب لموسى هلال؟
- •تكرار الهارب المليشي و تركيزه في كافة مخاطباته علي تدميرهم للطيران المقاتل و تحييده او اضعاف قدراته ، ينتج حقيقة ان استهداف المليشيا للطيران المقاتل و المسيرات اصبح هدف استراتيجي بالنسبة لهم، و بالتالي يجب على قادة الجيش الانتباه لهذا الامر و العمل على تطوير القدرات الجوية هجوما و دفاعا.
- • الاعتماد على الادارة الاهلية في الاستنفار مع الترغيب و الترهيب، انما هو بداية مرحلة جديدة لبناء جديد لقوات المليشيا من بعد الفقد المتعاظم و الخسائر الجسيمة في الافراد و العتاد و السلاح في معاركه الاخيرة و التي خسرها شكلا و مضمونا و ذلك للاستعواض بالتجنيد و الاستنفار.
- • التهديد و الوعيد و التوجيهات التعسفية التي لازمت الهارب المليشي، دلالة على محاولة فرض السيطرة و ابتداع حكومة مشوهة و عرجاء بمناطق السيطرة بجنوب دارفور.
- • كذلك ما ظل يستخدمه الهارب المليشي من الفاظ و عبارات في معظم مخاطباته من شاكلة(جوكي، معلم و غيرها) و هي لغة قاع المدينة، يؤكد ان قوات المليشيا المتمردة تدار باسلوب قادة و رؤساء العصابات (من الصنف الجاهل) و الذي يستوجب سرعة حسمها و حسن التعامل معها بالتخطيط و التدبير اللازمين لتقليل اضرارها حيث لا نفع اصلا منها.
- • كذلك و من ابرز الملاحظات على مخاطبات الهارب المليشي، ضعف القدرات في التعامل مع الخارج و سوء التقدير لقدرات و امكانيات اجهزة المخابرات العالمية و الاقليمية مع بروز سمة عدم حفظ امانات المجالس.
- • و تظل اخر الحقائق ان القوات المحترفة لا تقاد بالهتاف و التصفيق، و ان شأن الدولة المحترمة لا يدار بالتهديد و الوعيد و ان تحقيق الاهداف و الغايات لا مكان فيه للنواح و النحيب.
- • ان جرثومة لا تكد ترى بالعين المجردة قد تقتل الانسان، كما ان فيروس لا يؤبه له يجد مدخلا الى جسم الانسان متكاثرا متوالدا، قد يصبح وبأً يعود بالهلاك و الدمار على البشرية، لذا ننبه بضرورة التعامل مع مضامين ما ذكره الهارب المليشي بالجدية اللازمة، و لعله ان طنين بعوضة في بادية من بوادي دارفور قد لا يمرضك و لكنه قد يمنعك النوم و قد يقلق منامك و لو قليلا و قد تصيبك البعوضة بالملاريا ان لم تحسن الوقاية.