من زاويةٍ أخري / محمد الحاج

صناعة التغير و العبر من الحرب

ليس من وقت للسرد واجترار ما حدث!
فليس هناك من ليس له تجربة خاصة ومأساة شخصية وقصة مروعة يرويها،
ولا مجال هنا للبداية النمطية، ولغة الخطاب التقليدية التي ملَّها الناس، بالتمسح بالشهداء، بالترحم عليهم وتمني الشفاء للجرحى والاوبة للمفقودين.
فالشهداء أعلى منا جميعاً درجات، فنحن من يجب ان يتوسل بهم، وهم عليائهم عند ربهم الذي اصطفاهم، ونرجو أن يتعطَّف علينا ربنا بجاه الشهداء عنده، وأن يشملنا بالرحمة.
لصوص الثورات، أكتوبر وأبريل:
ولكن لابد من فذلكة تاريخية قصيرة تمهيداً للقادم.
فعين التاريخ التي ترصد:
تحدثنا أن ثورة 21 أكتوبر 1964 التي أسقطت نظام عبود، حسمتها جبهة الهيئات وكان رئيسها المرحوم الدكتور جعفر كرار، ثورة أبريل 1985 حسمها التجمع النقابي ورئيسه المهندس عوض الكريم محمد أحمد التي أسقطت نظام مايو بقادة جعفر نميري، وفي كل مرة يتم السطو على الثورة من قبل القوى الانتهازية، ويتم استبعاد القوى التي صنعتها، فمن يذكر المرحوم الدكتور جعفر كرار أو المهندس عوض الكريم محمد أحمد، واين هو الآن يا ترى.
في أكتوبر كان الشعار لا زعامة للقدامى، وفي أبريل كان هناك اقتراح تمثيل القوى الحديثة ب 50% على الأقل في البرلمان بوصفها صانعة الثورة، إلا أن السيد الصادق المهدي يرحمه الله، وصف القوى الحديثة وقتها، بالهلامية أو ما شابه وهو ذات الوصف الذي يطلق على القوى الحية والتي هي امتداد طبيعي لجبهة الهيئات والتجمع النقابي، واقترح بديلاً لها دوائر الخريجين التي فازت بأغلبها الجبهة الإسلامية القومية. وفي كل مرة تسيطر الأحزاب ومحترفي السياسة والمرتزقة، والقوى السياسية التقليدية لتنحرف وتهيء المنصة لانقلاب مما أدخل السودان في دائرة شريرة “انحراف سياسي، انقلاب، ثورة شعبية، ثم الانحراف من جديد”
ثورة ديسمبر العظيمة:
أمَّا ثورة ديسمبر العظيمة فالحديث عنها ذو شُجون، وليس من المناسب أن يتم سرد أحداث الثورة وتفاصيلها للذين صنعوها وشهود عيانها بكل فئاتهم، فهم بالطبع الأدرى بها منذ أن كانت جنينا يتخلق رحم الشعب وتعهَّدوا رعايتها، ودفعوا مهرها دما وعرقاً، مُهَجَاً وانفس، وما دون ذلك من الغوالي والنفائس، ومن ألهبوا جذوتها بالمواكب والهتاف والزغاريد، ومن صاغوا شعاراتها نثراً وشعراً، حتى خلصت إلى ذلكم الشعار العبقري، السهل الممتنع الذي حفظه قادة العالم “حرية، سلام، وعدالة”
ولكن هل كان مصير هذه الثورة العظيمة أفضل من سابقاتها، فقد كان اللصوص لها بالمرصاد، سرعان ما تسللوا إليها وسط نشوة الأنتصار، فغيروا جلودهم بين عشية وضحاها وهي لحظة انتظروها، واستعدوا لها، مؤمنون بالمقولة أن الثورة يصنعها الفدائيون ويستغلها الانتهازيون، فتكالبوا عليها الكل يريد قضمة من الكيكة، فضاعت أهداف الثورة بي الأطماع والمحاصصات، وبالتأكيد لن يفيد سرد التفاصيل لشهود العيان، ولا فائدة من ذلك غير “فقع المرارة”
النُخب مدمنة الفشل:
انتصرت الثورة وكما جرت العادة عف صانعوها عن المغانم، وذهب كل في سبيلة على اعتقاد أن مهمته قد انتهت، وزهدوا في المناصب، فتكالب عليها العالة والعاطلون ومقذوفو المنافي، والمرتزقة والعملاء وذوو الولاءات المتعددة والضمائر المطروحة للبيع على قارعة الطريق يلتقطها من السابلة من يدفع أكثر!
وهنا تكفي إشارات سريعة إلى الشراكة الكسيحة مع ما عُرف بقوى الحرية والتغيير، تلك التي أبقت الحكومة مشلولة وعلى مدى عامين من ثلاث سنوات هي عمر الفترة الانتقالية دون أن تنجز مهمة واحدة مما أوكل إليها، ودون أن تتخذ خطوة واحدة في اتجاه التحول الديمقراطي، وإجراء الانتخابات، ليبقى العسكر في الثكنات والجنجويد ينحل، والأسباب واضحة أن الوصول إلى صندوق الاقتراع يعني نهايتهم، لأنهم كنبات “السلعلع” لا جذور ولا ثمار.
وكانت تلك الفترة هي الأسوأ تعرض فيها أمن السودان للخطر، وكانت مقدرات السودان السيادية معروضة للبيع على أيدي السماسرة، وثروات السودان من دهب وعملات ونفائيس يتم تهريبها، وغير ذلك كثير ومعلوم للجميع.
وبما أن التحول الديمقراطي لن يأتي بتلك النُخب العميلة إلى السلطة، وبأمر من أولياء نعمتهم في الخارج، قاموا بالوسوسة لقائد الجنجويد، وأوهموه بأنه رئيس البلد القادم، فدبروا للانقلاب، بعد أن حاولوا إيها الناس بأنهم قائد الجنجويد بكل جرائمه السابقة منذ تكوين القوات، منذ شهداء 2013 وحتى فض الاعتصام، بأنه يسعى للديمقراطية وحقيق الإنسان “يا للعجب”

انقلاب كامل الدسم مهما حاولوا التنصل منه
محاولة احتلال القصر رمز السيادة
واحتلال مبني الاذاعه والتلفزين مركز الإعلام
ومطار الخرطوم، مع مطارات اخري
في حركه متزامنة، مع حشد اكثر من 80 % من قوات الجنجويد واحاطة كافة المراكز الحيوية للعاصمة؟
هل يعقل أن كل ذلك ليس فعلا منظما ومخططا، لتأكيد انه فعل انقلابي بأعاده الإقليمية والدولية، هنالك معلومات أكيدة حول تكلفة العملية في بداياتها انها قاربت لل10 مليار دولار من حيث التجهيز والإعداد، وفتح قنوات للإمداد بالعتاد والدعم اللوجستي، كيف يكون الانقلاب إذن؟ هو انقلاب يستوجب التحقيق ومحاكمة كل الضالعين فيه من متمردين ومدنيين وجواسيس، ويجب كشف أبعاده الدولية والدول والمنظمات التي حرضت ومهدت ودعمت وموَّلت.

التخبط في تسمية التمرد على الوطن:
كانت محاولات آلتهم الإعلامية وأبواقهم ذبابهم الإلكتروني أن يصف ما يجري بأنه حرب، وبتسميات متعددة، ومتناقضة، مره حرب الدعم ضد الجيش، واخري حرب الدعم ضد الفلول، وثالثة حرب الدعم من أجل الديمقراطية، ورابعة الحرب ضد دولة 56 ، وفي كل مرة يشيرون المتقاتلين بطرفي الحرب، في مساواة بين الجيش والتمرد،
إنما يجري تمرد بلا سقف أخلاقي، موجه علي نحو يستهدف الوطن اولا في مؤسساته ومقدراته وبنيته التحتية، وثانيا يستهدف المواطن، في نفسه وعرضه وماله وأهله، إن ما جرى ويجري لا علاقة له بالحرب المتعارف عليها في العسكرية نهجاً، ولا بين الناس عرفاً،
وانما هي استباحة مجموعات مجرمة أغلبها وافدة عبر الحدود يتم توظيفها لإسقاط الدولة وحافزهم نهب مدخرات واملاك المواطن وحرمانه من حقه في المعاش والخدمات بل في حقه في الحياه، نهبا وقتلا وبطشا واذلالا .
بين السياسة والوقاحة:
ولا يزال هناك من لا يستحي، من الهائمين حول فتات الموائد المطهية بدماء الابرياء
واغلب النشطاء كل مؤهلاتهم مفردات بذيئة وجمل ساقطة وسلاطة لسان.
وخروج عن القيم، اما مفهوم المعارضة عندهم، فلا يميزون بين النظام والدولة وبين، الفرد والمجتمع، في ظن وأهم انهم يعبرون عن ارادة الشعب، وهم لا يعبرون الا عن ذواتهم المريضة، مجرد أصوات صدئه خاضعة لإملاءات الخارج.
السكوت عن جرائم الدعم السريع “جريمة”
بالطبع لن يتسع المجال لتعداد جرائم الدعم السريع، وهي معلومة ومرصودة وموثقة، ولكن يبقى ما أورثته من الشعور المودي إلى الانتقام الانتحاري، هو الإحساس بالعجز وارتباك المشاعر، والمثال الحي من احتلت منازلهم، ونهبت ممتلكاتهم أمام أعينهم، والانتقام هنا سوف لن ينجو منه حتى الأبرياء، وهذا سيورث الثأرات لعقود وربما لقرون. والشعور الأسواً هو إحساس المغتصبات وما عانينه من قهر وقلة حيلة، وهو الألم الذي لا يمكن توصيفه أو قياسه، وأسوأ منه إحساس أولئك اللائي اكتشفن أنهن حوامل، ويتخلَّق في أحشاء الواحدة منهن وحش من الجنجويد، لا تعرف اباه، وكلما يربطها به هي تلك اللحظة الكابوس التي تمنت فيها الموت، ثم سلسلة العذابات بعد ذلك، تلك التي تموت فيها الواحدة في اليوم آلاف المرات، بين الإبقاء والاجهاض، والتناقض والصراع، والحلال والحرام، والأمومة والمجتمع، ومعاناة لا تنتهي لا يشعر بها سواها.
السكوت على جرائم الدعم السريع، سيؤدي دون أدني شك إلى انفجار الغضب المكبوت، وسيتحول هذا الغبن إلى نار ستحرق الأخضر واليابس، إذ سيلجأ الكل إلى أخذ القانون في يده، والانتقام بالطريقة التي يراها، وهنا ستنزلق البلاد في فوضى ينفرط معها العقد الاجتماعي المكون للدولة، ووقتها سيقال كانت هنا دولة اسمها السودان.
قتل العُزَّل ونهب الممتلكات الخاصة، وتخريب المرافق، واحتلال المدارس والمستشفيات، وبيوت الأهالي وطردهم منها، والاغتصاب للنساء والفتيات القصَّر.
وهناك حملة قوية تقوم بصياغة عريضة اتهام ضد قائد الدعم السريع حميدتي وأخيه غير الشقيق عبد الرحيم، تقدم إلى المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية وإلى كل المنظمات الحقوقية والانسانية لإدانة تلك الجرائم، والتضامن مع الضحايا وخاصة ضحايا الاغتصاب.
استعادة شعارات الثورة وأهمها، ثورة المفاهيم:
أنجز الشعب السوداني العظيم ثورة التغيير، وإسقاط الاستبداد، وبقيت ثورة المفاهيم، هو المفهوم الشعبي لحقوق الانسان وهو المحافظة على حق الغير ولا يتعدى أحد على فرصة الآخر، تجد الصف يتشكل بصورة طبيعية إذا كان هناك أكثر من شخص وعلى مسافة متر تقريباً بحيث لا يقف اثنان أمام الموظف حفاظاً على خصوصية المعاملة ولا سيارة واحدة تتخطى الثانية في حالة التكدس .
إما هذا وإما ذاك:
مالات الصراع بين نتيجتين، اما ان تبقي الدولة قائمه وموجوده بالجغرافيا والشعب
او ان تتشظَّى ويتبعثر شعبها شذر مذر، وليكتب التاريخ كان هنا وطن اسمه السودان
ولات حين تأسفٍ ومندم.
جيش البلاد لا مساومة عليه:
لقد فتحت قوات الدعم السريع الأبواب واسعة لارتكاب جرائم النهب والقتل العشوائي بإطلاق جيش من عتاة القتلة والمجرمين من السجون، وذلك كغطاء لسياسيه النهب والسلب وممارسة سياسة الارض المحروقة، في محاولة منها حشد الشارع ضد الجيش بإلصاق التهم به أو اتهامه بالتقصير عن حماية المواطنين، وصحب تلك هذه الخطوة خطوات اخري بدأت بالاغتيالات والتصفيات لتنتهي بالفوضى العارمة والقتل العشوائي وأحياناً على الهوية.
ومن هنا ينبغي دعم الجيش في كل الأحوال، بداية بعدم قبول مساواته أو حتى مقارنته بالتمردين، وقبول تسويق العبارات الخبيثة، كـ “طرفي الحرب” و “القوات المتحاربة” و “لا للحرب” و “لازم تقيف” وغير ذلك من المصطلحات التي تجعل من الجنجويدي نداً للجندي الباسل الشريف، وعدم ترويج الأخبار المضللة أو الضارة بالخطط العسكرية، فالجيش يخوض معاركاً وكل معركة لها ظروفها وتكتيكاتها من هجوم وانسحاب، وغير ذلك، فينبغي دعمة في كل الأحوال وبكافة الوسائل، حتى يكمل الجيش مهمته التي قاربت على الانتهاء، فالتمرد على وشك الانهيار.
الجيش هو الضمان لبقاء الدولة، واستمرار السيادة، وأمن الوطن، وعليه يجب أن يبقى قوياً ومحل ثقة.

اترك رد

error: Content is protected !!