✍️د.الصادق الامام الهادي المهدي
نظرت محكمة العدل الدولية اليوم في قضية جنوب أفريقيا ضد اسرائيل والمطالبة بإصدار قرار بإدانة جرائم إسرائيل في غزة باعتبارها حرب وجرائم ابادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة. وقد استهلت المحكمة مداولاتها بسماع بينات محامي الاتهام وهي على قفا من يشيل. سواء في احاديث نتنياهو وهو يتلو اقتباسات من الكتاب المقدس الذي حسب زعمه يدعو إلى قتل (العماليق ) اي الكنعانيين الفلسطينيين او وزير ماليته الذي قال بان الفلسطينيين وحوش في هيئة بشر ما يعني ان إبادتهم مبررة وغيرهما كالذين طالبوا بقصف غزة بقنبلة نووية. ويتوقع عقد جلسة يوم غد الجمعة ١٢-١ لسماع رد إسرائيل التي ستنكر جرائمها، وسترفض القضية شكلاً وموضوعاً. ولكن الأرجح أن تصدر المحكمة قرارا مؤقتا بتجريم إسرائيل وبان لها نوايا لابادة الشعب الفلسطيني وتهجيره وتطهيره عرقيا. فأركان الجريمة اوضح من الشمس في رابعة النهار. وتبعا ستطلب المحكمة من إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة. وقد تحيل الحكم إلى مجلس الأمن لتفعيله، فان استخدمت الولايات المتحدة حق النقض وهو متوقع، فان إسرائيل تظل ملزمة بالامتثال وبتنفيذ قرار المحكمة في كل الأحوال. مع ذلك في هذه المرحلة يتطلع الضحايا لخطوات تسبق اصدار القرار النهائي توقيف حمامات الدم والاستباحة والإبادات.
حتى الان لا شيء يدعو للتفاؤل اذ جاء رد إسرائيل غاية في السخف والاستخفاف بالمحكمة الدولية وبحقوق الانسان والاستهزاء بالأعراف والقانون الدولي. اذ قالت اسرائيل إن جنوب افريقيا تمارس معاداة السامية. ومثلها رد واشنطن الذي كان صدى لصوت اسرائيل.بان قال منسق البيت الأبيض بان حماس هي التي تنوي ممارسة الابادة الجماعية لا إسرائيل وان موقف جنوب افريقيا لا يحقق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وهو رد فعل يندرج في سياق ازدواجية المعايير التي أجادتها الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها في حلف الناتو .
وفي الحقيقة موقف الدول الغربية في اغلبه يؤمن بالابادة الجماعية كوسيلة لتمكين اسرائيل وبعض هذه الدول مارس الابادة وبعض دول الغرب نفسها نشأ من استئصال شعوب اخرى. فالولايات المتحدة الأمريكية تأسست بإبادة الهنود الحمر ومثلها استراليا ونيوزيلاندا وكندا وجنوب افريقيا سابقاً ودولة إسرائيل نفسها. كما ان الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل لديهم تاريخ مشترك ملطخ بالعار فهي دول لم تكف عن الدفاع عن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا حتى لفظ انفاسه الأخيرة. وإسرائيل ظلت حليفا لنظام الحكم العنصري لانها توأمه وتشبه الدولة العنصرية الافلة ودولة اسرائيل تعرف انها غرست في خاصرة المنطقة العربية في سياق ممارسات الابادة الجماعية للشعوب المغلوبة على امرها. والفارق الوحيد أن الابادة الجماعية التي تمت للشعوب الاخرى في استراليا وامريكا الشمالية كانت في ازمنة غابرة خارج العصر وخارج التاريخ. بينما جاء غرس إسرائيل في فلسطين في زمن صارت فيه شعوب العالم اكثر وعياً وحساسية بحقوق الإنسان وأكثر قوة في رفض الهيمنة والاستعمار وسحق الشعوب واستباحة حقوقها. وهذا البعد الشعبي سيكون في المدى البعيد نقطة ضعف الدولة العبرية. فقد شاهدنا رفضا شعبيا واسعا لحرب إسرائيل في غزة ما يعكس صحوة غربية لم تستثني مدينة ولا شارعا من شوارع مدن العالم الغربي. وقد لا يطول بنا الوقت حتى نرى تراجع الدول الغربية نفسها عن الدعم المطلق لإسرائيل لان موقف الشعوب الغربية حاسم. مع ذلك الموقف الحالي لأمريكا والاوربيين الداعم لإسرائيل ليس موقفاً جديدا. فقد كان في حرب ١٩٦٧ وفي حرب ١٩٧٣ بل يندرج في تاريخ الإبادات الجماعية التي طالما تم إخفاءها بدخان الديمقراطية وحقوق الإنسان. على أن من يبيد غيره لن يتورع من ارتكاب المزيد في فلسطين تحت ذرائع حق الدول في الدفاع عن نفسها. ولكن الدفاع عن النفس يختلف عن التهجير القسري والإبادة والتطهير العرقي. وفي هذا السياق سال مذيع قناة الجزيرة مسئول العلاقات الخارجية الاوروبية السيد بوريل عن جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة. فرد بوريل بانه ليس محامياً. وعندما سئله عن جرائم حماس اندفع مسئول العلاقات الخارجية في ادانة حماس بجرائم الابادة. فعلق المذيع الذكي قائلا لقد سالتك يا سيد بوريل عن جرائم إسرائيل فقلت انك لست محامياً ، وعندما سالتك عن حماس جرمتها فوراً !! فهل نسيت ما قلت للتو ام انها إزدواجية المعايير. فبهت السيد بوريل وغطى على تهافته بابتسامة صفراء.
والولايات المتحدة الأمريكية اضل سبيلا فهي لا تكتفي بأن تعين نفسها محاميا عن جرائم إسرائيل بل ترفض وقف إطلاق النار واستخدام حق النقض وتعطيل مجلس الأمن تحت ذريعة أن حماس ستستعيد قوتها العسكرية متى توقفت الحرب. ولا عجب إلا من ممن يتعجب من مواقف الدول الغربية. فسلوك هذه الدول سلوك متسق تماما مع تاريخها في القرنين التاسع عشر والعشرين. وجنوب أفريقيا تقدمت بهذه الدعوى لانها تعتبر نفسها حريتها ناقصة إذا لم تتحرر فلسطين. وهي دولة عانت وتعاني من ثقل تاريخ الفصل العنصري. وتعاطف السودانيين مع الفلسطينيين لانهم ايضاً تاريخياً عانوا من ممارسات الابادة الجماعية في كرري وفي الشكابة في ام دبيكرات فضلاً عن ابا وودنوباوي التي ارتكبها احتلال داخلي.وما زالوا يعانون الى يومنا هذا من مذابح وانتهاكات وجرائم لقوات الدعم السريع المتمردة يشيب منها الولدان وتقشعر لها الأبدان…… شكرا بلد نلسون مانديلا فقديما قيل “اختر من يُحِبك ولا تختار من تُحبه”