زيارة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو الى الموانئ السودانية بالبحر الأحمر حركت الكثير من الملفات الاقتصادية المهمة، وأبانت العديد من الثغرات في حركة الصادرات والواردات التي لها بالغ الأثر في الاقتصاد السوداني وميزانه التجاري. ومن ذلك تهرب الشركات التي تقوم بتصدير المنتجات السودانية من إعادة حصائل الصادرات بالعملات الحرة للنظام المصرفي السوداني. وقيامها بتصفية أعمالها بعد ذلك بحجة الإفلاس حتى تنقطع المتابعة القانونية لمالكيها.
هذه الحيل القانونية، التي ترقى لمرتبة الجرائم الاقتصادية، يجب مواجهتها بالتشديد والعقوبات القانونية، وهو ما أشار له نائب رئيس مجلس السيادة في واحدة من خطبه ببورتسودان. هذا هو الجانب العقابي والمنعي. لكن من المهم كذلك إعادة النظر في المؤسسات التي تتولى عمليات الصادر كعمل إيجابي لمصلحة الاقتصاد.
تقليدياً يقوم بعض التجار والشركات الخاصة بتصدير المنتجات السودانية، ورُصد مؤخراً دخول بعض المغامرين في المجال مما أدى لبروز الممارسات الفاسدة مثل التلاعب في قيمة الصادرات بإبراز فواتير مزورة من المستوردين، والتلاعب في مستندات الصادر المصرفية، وتأسيس شركات بأسماء وهمية لمهمة واحدة هي القيام بعملية صادر كبيرة ثم الاختفاء بعد ذلك من الساحة التجارية، وإعلان إفلاس الشركة بعد تنفيذ عملية الصادر لتفادي الزامها بإعادة عائد الصادر، وغيرها من الممارسات المضرة بالاقتصاد.
لتأسيس بنية قانونية ومؤسسية متينة تتولى عمليات صادر المنتجات السودانية لابد أن تشرع الحكومة في تأسيس شركات مساهمة عامة تتولى هذه المهمة. نرى أن تشجع وزارة التجارة قيام شركات المساهمة العامة من أجل الصادر، وهي بحكم القانون تدرج في سوق الخرطوم للأوراق المالية فور تأسيسها، ويجوز لكل شخص شراء أسهم فيها، وتشجيعاً لبعض المجالات والأنشطة يمكن أن تدخل الحكومة بنسبة مقدرة من الأسهم 50% فأكثر تتيح لها التحكم في مسارات الشركة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة، ثم تبدأ في الانسحاب تدريجياً بعد ذلك لصالح مساهمين آخرين.
تتيح صيغة شركات المساهمة العامة الاستفادة من مدخرات المهاجرين والمغتربين في شكل أسهم في هذه الشركات، فالأهم للاقتصاد هي المدخرات وليس التحويلات الأسرية البسيطة القيمة.
إن تكوين شركات مساهمة عامة برؤوس أموال كبيرة للعمل في مجال الصادر الزراعي والصادر الحيواني، وفي مجال المعادن والبترول، وتسجيل هذه الشركات في سوق الخرطوم للأوراق المالية، هي صيغة تتيح تطبيق كل قواعد الحوكمة المؤسسية، وتمنع الفساد، وتحرك جمود الاقتصاد. ذلك لأن قانون سوق الخرطوم للأوراق المالية يلزم الشركات المسجلة فيه بالإفصاح عن كل عملياتها، ونشر ميزانياتها وخطط عملها. وبهذا تستطيع الأجهزة الرقابية في بنك السودان ومسجل عام الشركات والأمن الاقتصادي وغيرها من مؤسسات الدولة مراقبة الأداء بدقة. وضمان إعادة حصائل الصادرات وسداد الضرائب. والله الموفق.