للسفارات مهمتان الأولى رعاية العلاقات الثنائية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية) بين البلد صاحب السفارة وفي حالتنا هذه هو السودان، وبلد التمثيل (مصر)، والمهمة الثانية هي خدمة جالية ومواطني السودان بمصر من خلال الأعمال القنصلية المختلفة (وثائق ثبوتية، خدمات طبية، خدمات تعليمية).
وبالنسبة لسفارتنا بمصر هناك مهمة ثالثة، تضاف لأعبائها الجسيمة، هي أعمال المندوبية الدائمة لدى جامعة الدول العربية التي تتخذ من القاهرة مقراً لها.
هذه المهام التقليدية تعاظمت للغاية في سفارة السودان بمصر بسبب الحرب التي اشتعلت في السودان منذ 15 أبريل 2023 وما زالت مستمرة. حيث فرضت الحرب الارتقاء بالعلاقات الثنائية لأعلى مستوى ممكن، وفي نفس الوقت السعي لتقديم أفضل خدمة ممكنة للملايين من السودانيين الذين نزحوا للقطر المصري بسبب الحرب.
في العادة فإن انجاز المؤسسات يقاس على نحو كلي من خلال تقييم مؤشرات الأداء الكلية، لكن تميز القادة والعاملين كثيراً ما يحدث الفرق.
أهمية مصر بالنسبة للسودان في هذا الوقت العصيب حتمت أن تهتم دولة السودان بأمر السفارة في مصر على مستوى القيادة والافراد والإمكانات المادية، فكان أن بعثت بالفريق أول ركن مهندس عماد عدوي كسفير فوق العادة لدى جمهورية مصر العربية، ومندوب للسودان بجامعة الدول العربية. وحرصت على أن تعاونه كوكبة متميزة من الدبلوماسيين والاداريين في أقسام السفارة المختلفة.
العوامل القاسية الموروثة التي تحيط بالسفارة ومن أهمها ضيق المكان والمبنى، وقلة الكادر العامل، ومحدودية الميزانيات المرصودة لأعمال السفارة، شكلت تحدياً هائلاً أمام السفير وطاقمه، فكان أن تم تعويض قلة الكادر ومحدودية الميزانيات بمضاعفة العمل والجهد، فيما شكل ضيق المكان تحدياً كبيراً تم تجاوزه بتطبيقات التراسل الالكتروني التي سهلت أغلب الإجراءات القنصلية.
تحولت السفارة خلال وقت وجيز لدبلوماسية إعادة الاعمار والنمو والتنمية، من خلال تحريك ملفات التعاون الثنائي في مجال النقل والمعابر والربط السككي والربط الكهربائي والتسهيلات التجارية. كما قامت بحفز رجال الأعمال من البلدين للتعاون والتنسيق استعدادا لمرحلة إعادة التعمير في السودان، حيث نظمت لهم ملتقى كبير رعاه السيد/ كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء المصري وزير الصناعة والنقل، وشارك في الاعداد له مركز التكامل السوداني المصري، والشركة المصرية السودانية للتنمية والاستثمار.
كما حركت السفارة بقيادة السفير عماد عدوي خطط الجامعة العربية الرامية لمساعدة السودان، ومن أهمها خطة المنظمة العربية للتنمية الزراعية الرامية لإعادة تعمير وتشغيل القطاع الزراعي في السودان، وهي الخطة التي طرحها مدير المنظمة البروفسور إبراهيم الدخيري أمام المؤتمر الاقتصادي الأول لمواجهة آثار الحرب والذي انعقد ببورتسودان يومي 19 و20 نوفمبر الماضي ببورتسودان، وتم الشروع في تنفيذها بواسطة وزارة الزراعة والوزارات ذات الصلة بالسودان.
كان لتعيين السفير علي يوسف وزيراً لخارجية السودان أثر إيجابي للغاية على العلاقات الثنائية بين مصر والسودان، حيث توجت أنشطة السفارة تحت رعايته بزيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للعاصمة الإدارية ببورتسودان، أعقبه أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية. الزيارتان لا تحسبان كزيارات بروتوكولية عادية، لأن هذه الزيارات نفذت كتطبيق للاستراتيجية المصرية واستراتيجية جامعة الدول العربية في مساندة السودان ومؤسساته. وسوف يكون لهما أثر كبير للغاية فيما يلي استقرار وأمن وتنمية السودان.
الأعمال القنصلية في السفارة، والتي تتجاوز ألفي معاملة يومياً، يبذل العاملون في الأعمال القنصلية جهوداً فوق العادة لإنجازها. والحق يقال إن القنصل إبراهيم الصديق والعقيد شرطة عادل يونس مدير الجوازات يبذلان جهداً هائلاً فوق طاقة البشر في مساعدة الناس وتسهيل اجراءاتهم.
الأعمال الكبيرة والهائلة يكتبها التاريخ، وتوثقها الأجيال. أما الزبد فيذهب جفاء.
والله الموفق.