الرواية الأولى

نروي لتعرف

هموم وقضايا / السفير د. معاوية التوم

زيارة البرهان للدبة.. رسالة القيادة من وراء نيران وحطام المسيرات!؟

السفير د. معاوية التوم


في وقتٍ تتصاعد فيه وتيرة الاستهداف بالطائرات المسيّرة التي يشنها الغزاة على عطبرة وكرري وأمدرمان من قبل وكلاءهم أمراء الحرب ووحوش دماء الأبرياء سادة الإمارات، والمليشيا الغاصبة، ونيرانهم على المدن السودانية والبني التحتية والخدمات. جاءت زيارة رئيس مجلس السيادة اليوم، والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى مدينة الدبة بالولاية الشمالية، ليتفقد بنفسه أحوال وأوضاع النازحين والمهجرين قسرًا من مدينة الفاشر، كخطوةٍ تحمل عظم المسؤلية الوطنية، ومغزى سياسيًا وإنسانيًا بالغ العمق والدلالة، في ظرفٍ وطنيٍ دقيق.رأس الدولة يؤدي هذا الواجب الوطني بنفسه وعينيه تعكس الأسى المر الذي يعتصره بداخله على ما لاقاه ابناء شعبه من وراء آلة الفتك والدمار للمليشيا، التي تقتل وتجرح وتهدم لكنها لا تؤسّس حكما ولا تمنح شرعية لتجار الحروب وطلاب الهدنة الكاسدة.

هذه الزيارة لم تكن مجرد تفقدٍ ميداني عابر ، بل رسالة رمزية وشجاعة عسكرية وسياسية تقبل التحدي، مفادها أن الدولة السودانية لا تزال تمارس مهامها على الأرض، وأن قيادتها موجودة بين مواطنيها بصدر مكشوف إلا من ستر الرحمان وحفظه ورعايته، رغم الحرب وحملات التهويل والتضليل، والضغوط الاقليمية والدولية. والخيارات غير المنصفة التي ترسل بها الرباعية وتتبعها مسيرات الإمارات للتركيع والاستسلام هيهات!؟ يخرج القائد العام راجلا ليصافح الضحايا ويواسي المكلومين ويعانق الثكالى. فحين يتنقل القائد العام بين المدن والمخيمات في ظل تهديدات المسيرات العدوانية، فإنه يجسد معنى الصمود القيادي والمؤسسي في مواجهة مشروع التفكيك والفوضى ليسرج الامل في النفوس، ويغبر بهذا النهج المثالي، حكومتهم الموازية المزعومة والتغريدات عالية التقانة لقائد المليشيا الوظيفية بتوسط العمالة والارتزاق ، وكل الدول وشبه الدول من منظومات ومراكز الاستخبارات العالمية الراعية لهم، أن قائد الجيش السوداني يجوب وسط الفارين من جحيم الارهاب، وضحايا العنف الجنسي والجنساني ليوقظ الضمائر التي قتلها الخزي والعار بالفاشر وكل مدن السودان ، عندما يكون الجاني ربيبهم التمرد والضحية اهل السودان ومقدراتهم ومكتسباتهم.
.
إن اختيار الدبة تحديدًا، الواقعة في عمق الشمال السوداني، تبرز تلاحم الامة السودانية ووحدة الشعور الوجداني دون مناطقية او عصبية او جهوية او عرقية ولا تمييز. هناك تبرز رؤية القيادة وبصيرتها، في ربط الجغرافيا الوطنية بوحدة الوجدان الشعبي؛ فالنازحون من الفاشر يجدون في الشمال مأمنًا واحتضانًا ومحنة وسلوى بين أهلهم وديارهم (كل ارجائه لنا وطن ..هكذا تغني إسماعيل حسن ووردي)، هذه الجولة الإنسانية والحنو من رأس الدولة و قائد الجيش فيها ما يعيد ويثبت التأكيد على وحدة الامة و تماسك النسيج الوطني ولحمته العصية على الهزيمة والانكسار، والتي يسعى العدو الخارجي لضربها عبر الحرب النفسية والإعلامية وبث الفرقة واليأس في نفوس المهجرين قسريا ..لكن وعي القيادة وإيمانها بقدرها ، واستعصامها بالله مالك النصر وأسبابه،تجعلها تسطر مثل هذا الموقف.

وفي المشهد السياسي، تشكل الزيارة ردًّا عمليًا على دعايات الانقسام والتشكيك في تماسك القيادة والدولة، وتؤكد أن الخط السياسي والعسكري والدبلوماسي الإعلامي والشعبي يسيران بتناغم نحو هدف واحد: حماية الدولة السودانية وبناء جبهة داخلية متماسكة، بمشروعها الوطني الذي يصطف لهزيمة المشروع الخارجي. كما أنها تفضح زيف من يروّجون لعجز الدولة أو عزلتها عن مجتمعها، إذ بدا واضحًا أن القيادة تتحرك بثقة بين شعبها وتستمد منه الشرعية الحقيقية، التي تفتقدها هذه المجاميع التائهة للغزاة بين رغبات الرباعية ونزوات الغنيمة في موارد بلادنا .

أما في بعدها الإنساني، فقد جاءت الزيارة تقديرًا لمعاناة وآلام النازحين والمهجرين الذين هُجروا قسرًا من ديارهم، وتركهم الضمير العالمي الغائب خارج ميثاقه ومبادئه وكل منظومة القيم في حماية المدنيين وحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي ، والإنساني الدولي واتفاقيات جنيف لحماية حقوق الانسان وبروتوكولاتها الـ ٤، كلها حبيسة الجنس والجغرافيا والنفوذ المالي والسياسي. تتعطل كل هذه المباديء لدى الامم المتحدة ومنظوماتها في حماية أهل السودان، بفعل الحرب التي أشعلتها المليشيا المدعومة خارجيًا. لتأتي زيارة القائد وجولته وسط النازحين لتؤكد أن الاهتمام بأوضاع المدنيين ليس عملًا ثانويًا بل محورًا أصيلًا يتصدر الأولوية في مهام الدولة خلال الحرب.

وفي السياق العسكري والأمني، تبعث الزيارة رسالة حاسمة بأن القيادة لا تنكفئ داخل المكاتب أو الملاجئ، بل تواجه الميدان والناس في ظروف الخطر والمحدقات لا تختبيء، في ما يشبه تحديًا مباشرًا للحرب بالمعنويات والاقتراب من المواطن، وهو ما يُعد أحد أهم أدوات النصر المعنوي والسياسي في يقظة بتبعات مثل هذه الحروب المركّبة والتحالفات الدولية العنصرية الماكرة.

إن زيارة البرهان للدبة في ظل هجمات أسراب مسيرات العدو الجبانة وغبار الحرب ومعاناة الفارين من جحيم التمرد، ليست حدثًا بروتوكوليًا او استعراضاً شكلياً، بل مشهد وطني مكثّف لإقالة عثرة أمّته، يختزل معاني الإرادة السودانية في الصمود والبقاء والقيادة والمواجهة. إنها رسالة للعالم بأن السودان ما زال يقف على قدميه، وأن دولته وجيشه وشعبه ماضون في معركة التحرير والنصر والبقاء، ودحر التمرد وإخراجه من كل شبر دنسه، والقضاء عليه في اي موضع دخله، مهما تعاظمت التحديات وبلغت الكلفة. وعيون الرئيس وهو يتفقد الضحايا تشع شراراً في أوجه البغاة والغزاة بالثار لهؤلاء البسطاء من النساء والعجزة والأطفال وجبر خواطرهم وتطمينهم على أن الثمن الذي دفعوه لاجل الوطن هو مهر العزة والكرامة والفداء لن يضيع هدراً.مثل هذه الوقفات الثبورة من قيادة الدولة تجاه شعبها، هي بعض لحظات خالدة ، وصفحات ناصعة في تاريخ أمتنا تبعث بالأمل والحياة ووعد الصدق والنصر من رب يرى مثل الصنيع الحاني تجاه أهله وشعبه، يؤسس لنصر عزيز آت، (ان تنصروا الله ينصركم). وعودةوشيكة مرجوة تحمل البشريات وتحطم أسوار الظلام والقيود التى سعى مغول الباطل أن يكبلوا بها هذا الوطن الحلم رغم انف التمرد ورعاتهم، ولا نامت أعين الجبناء!؟.
————/——
٨ نوفمبر ٢٠٢٥م

تعليق واحد

اترك رد

error: Content is protected !!