رداً علي تعقيب د. كرار التهامي – د. الواثق كمير يكتب : توضيح منهجي حول معنى التصنيف وحدود المقارنة

تورونتو، 24 ديسمبر 2025
أشكر للدكتور كرار التهامي كريم الثناء وحسن الظن، وأثمّن لغته الودودة ومداخلته الجادة، غير أن تعقيبه – في جوهره – ينطلق من قراءة نسبت إلى الورقة ما لم تقله، وحملتهت مقاران لم تجرِ فيها أصلاً.
أولاً، لم تقل الورقة، لا نصاً ولا معنى، إن الدعوة إلى تصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية هي “من بنات أفكار الجيش وحلفائه”، ولم تعزل هذا المطلب عن غضب الشارع السوداني، ولا عن مواقف برلمانات أو منظمات دولية، ولا عن النداءات الأخلاقية المشروعة الناتجة عن الجرائم المروعة التي ارتكبتها هذه القوات.
ما فعلته الورقة – بوضوح – هو توصيف سياق سياسي بعينه، تُطرح فيه مطالب التصنيف داخل مساجلة استقطابية، حيث يستخدم كل طرف سلاح “التصنيف” في مواجهة خصمه، لا بوصفه مدخلاً متكاملاً للعدالة الانتقالية، بل كأداة حسم سياسي، أو كبديل مختصر للسياسة نفسها. هذا توصيف لطريقة إدارة الصراع، لا إنكار لمشروعية الغضب، ولا مصادرة لصوت الضحايا.
ثانياً: لم تُجرِ الورقة أي تشبيه بين قوات الدعم السريع كفاعل عسكري ارتكب جرائم جسيمة وبين الحزب الشيوعي أو الجنوبيين أو الإسلاميين من حيث الطبيعة أو المسؤولية أو السياق. هذا استنتاج لم يرد في النص. المقارنة التي أُجريت كانت مقارنة بين منطق الإقصاء كآلية سياسية متكررة في التاريخ السوداني، لا بين الفاعلين أنفسهم.
الحديث لم يكن عن “تشابه الحالات”، بل عن تشابه العقل السياسي الذي، كلما واجه أزمة عميقة، لجأ إلى الإقصاء والتجريم الشامل كحل نهائي، ثم فوجئ لاحقًا بارتداداته العنيفة. فالقياس هنا قياس على الأداة لا على الفاعل، وعلى المنهج لا على الجريمة.
أما القول بأن حالة الدعم السريع “جريمة من طرف واحد تستحق الإقصاء والطرد والتنكيل”، فهو توصيف أخلاقي مفهوم في سياق الألم والغضب، لكنه لا يُجيب على السؤال الذي طرحته الورقة أصلاً: هل تحويل التصنيف إلى أفق سياسي نهائي، خارج إطار مشروع عدالة انتقالية واضح، ومنفصل عن معالجة الجذور البنيوية للصراع، يقود فعلاً إلى تفكيك العنف، أم يعيد إنتاجه بأشكال جديدة؟
الورقة لا تدافع عن الدعم السريع، ولا تساوي بين الجلاد والضحية، ولا تطلب تبييض الجرائم، وإنما تحذّر – انطلاقاً من تجربة سودانية طويلة – من تحويل الأدوات الاستثنائية إلى عقائد سياسية دائمة، لأن التاريخ علّمنا أن ذلك، مهما كانت دوافعه مشروعة، لا يبني دولةظ ولا يؤسس سلاماً مُستداماً.
بهذا المعنى، يظل جوهر أطروحة الورقة قائماً: ليس كل ما هو مفهوم أخلاقياً يكون منتجاً سياسياً، وليس كل إقصاء مبرَّر لحظة الغضب يفضي بالضرورة إلى نهاية الصراع.






