
Digital.start23@gmail.com
في الحلقات الماضية، استعرضنا الإطار العام للتحول الرقمي وأهمية المؤسسات والخدمات الإلكترونية. مهما كانت الجهود المبذولة، فإنها لن تحقق التأثير المطلوب إذا لم تعتمد على المورد الأهم، الإنسان. فالابتكار التكنولوجي قد يتم استيراده، والبنية التحتية قد تُبنى، لكن العقول الوطنية المبدعة هي التي تضمن استدامة التحول الرقمي وجعله جزءًا من الحياة اليومية، وليس مجرد مشاريع مؤقتة.
تُظهر الواقع الفجوة الكبيرة في هذا المجال؛ ضعف التدريب الاحترافي، غياب سياسات بناء القدرات الرقمية، وهجرة ونزوح العقول إلى الخارج دون وجود مسارات مؤسسية لاستقطابها أو الاستفادة من خبراتها. لذا، إن أي خطة للتحول الرقمي يجب أن تضع رأس المال البشري في صدارة أولوياتها.
من الضروري تكثيف التدريب العاجل في مجالات حيوية مثل تطوير التطبيقات، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني وغيرها. هذه المجالات تمثل أساساً لبناء بيئة رقمية حديثة، ويجب أن يواكبها تدريب مكثف لتمكين الأفراد من مواجهة التحديات التقنية المتسارعة. يمكن تنفيذ هذه البرامج من خلال منصات التدريب الإلكترونية والشهادات المهنية التي تضمن تطوير المهارات بشكل سريع وفعّال.
أما بالنسبة للتدريب طويل الأجل، فيجب أن يكون التوجه نحو تطوير المناهج التعليمية من مرحلة الأساس حتى التعليم الثانوي والجامعي، بحيث يتم دمج مهارات التقنية الرقمية والابتكار في جميع المراحل الدراسية. وهذا يتطلب استخدام واعتماد التدريب عن بُعد بشكل كثيف، بما يتيح للطلاب والمعلمين على حد سواء الوصول إلى مصادر المعرفة العالمية والتفاعل مع أحدث الأدوات الرقمية.
لا بد من التأكيد على أن رأس المال البشري لا يقتصر على الداخل فحسب، بل يجب أن يشمل أيضًا الخبرات السودانية المنتشرة في أنحاء العالم. هذه العقول هي الأكثر قدرة على التغيير، والمساهمة في تصميم السياسات، ونقل التجارب العالمية المبتكرة، وبناء جسور بين السودان ومراكز الابتكار العالمية. استقطاب هذه الكفاءات ليس مجرد خيار بل ضرورة ملحة لتسريع عملية التحول الرقمي في البلاد.
في الوقت الذي نعيد فيه بناء ما دمرته الحرب، فإن الاستثمار في رأس المال البشري يمثل الخيار الأكثر أمانًا وربحًا. هذا الاستثمار هو الأساس الذي سيحول التحول الرقمي من وعود مكتوبة على الورق إلى واقع ملموس يعيشه المواطن في كل تفاصيل حياته اليومية. بناء الإنسان الرقمي ليس رفاهية، بل هو قلب مشروع إعادة بناء الدولة على أسس من الكفاءة والفاعلية والازدهار.
البنية التحتية توفر الأساس، والتشريعات تضع الإطار، أما الإنسان فهو الذي يطور هذه المنظومة. إذا لم نستثمر في بناء القدرات البشرية، فإن كل الخطط ستبقى مجرد وعود حالمة.
في العمود القادم من “آفاق رقمية”، سنتناول دور الدفع الإلكتروني في تعزيز الشمول المالي والتحول الرقمي.
حقيقة مطلقة الاستثمار في راس المال البشري …تأهيل كوادر وطنية خالصة غير قابلة للاختراق