بعد عام ونصف من الحرب والدمار لمقدرات الدولة وممتلكات الشعب ونهب دوره والاعتداء على ممتلكات وأعراض المواطنين وإمتهان كرامتهم ؛بعد كل ذلك وجدت المليشيا المتمردة قواتها محاصرة في جزر معزولة مشتتة في بقاع السودان الواسعة بينها وخطوط إمدادها آلاف الكيلومترات من الفيافي والوهاد والأجسام المائية فلم تعد غير الحقيقة الميدانية مناصات أخرى ؛فتجلت الحقيقة ناصعة أن الحرب قد آلت إلى هزيمة شاملة ونهائية للتمرد في كل الأرجاء وعلى كل الأصعدة العسكرية والسياسية والأخلاقية والإنسانية والقيمية ؛هزيمة كانت واضحة المعالم منذ الأسبوع الأول عندما فشل المخطط الأول للاستيلاء على السلطة والقضاء على قيادات القوات المسلحة ولكن التكبر والتجبر والرغوة التي كانت تضخها آلة الكفيل الإقليمي الدعائية كانت تنكر كل ذلك ؛وتبرجت الحقيقة اليوم في رابعة النهار أن قد انتصرت القوات المسلحة فتعاملت بأخلاق المنتصر فسمحت للمهزوم بالتفاوض على الاستسلام وتعاملت معه بقيم وأخلاق الدين الحنيف وموروثات الشعب السوداني بل وأعلنت القوات المسلحة على لسان ناطقها الرسمي تجديد القائد العام العفو العام عن كل من استسلم ألقى سلاحه وسلم للقوات المسلحة في كل مسارح العمليات وذلك في الشأن العام أما في الحق الخاص فذلك حق لا يسقطه إلا صاحبه .
لن يتوقف مسلسل الاستسلام عند (أبو عاقلة كيكل) و(شقيق البيشي ) بل سيمتد إلى كل من في ولايتي الجزيرة وسنار و(أبو شوتال )في النيل الأزرق لأنه ليس من خيار سوى الهزيمة المؤكدة أو الاستسلام .بل أكثر من ذلك ثمة حديث عن مسعى لاستسلام النور القبة والسافنا في شمال دارفور عبر الشيخ موسى هلال .
ستنهار أحجار الدومينو بأسرع مما توقع الجميع لأن واقع المعطيات على الأرض حين التحم الشعب والجيش في معركة الكرامة وحين سارت الدبلوماسية والقرار السياسي لقيادة الدولة على خطى الشعب وعبرت عن إرادته في حسم التمرد ؛فأنجزت معركة العبور في فجر السادس والعشرين من سبتمبر الذي يجب أن يكون يوماً خالداً في تاريخ الشعب يحي فيه كل عام ذكرى مقاتلين ومجاهدين عظام جعلوا العبور ممكنا ليس على جسور الفتيحاب والنيل الأزرق والحلفاية فحسب بل على أجسادهم وأرواحهم الطاهرة .فزغردت فاشر السلطان أبو زكريا وانتفضت لتفك عن نفسها معظم ما كان من طوق وهي لا تزال تأسو جراحها من أثر تدوين المستشفيات والمساكن وحصار غذائي ودوائي خانق يبغيها المسغبة والعوز والاستسلام ولكن هيهات هيهات .
حاشية :
لقد دفع الشعب السوداني مهر الحرية والانعتاق غاليا دماء وأشلاء ومعاناة وتشرد ونزوح ولجوء ولا يكون مقبولاً أن يزايد على مستقبله خائن أو عميل أو يملي عليه أحد فعل ما يريد .فلا مجاملة على حساب الشعب بعد اليوم ولا فرصة لتكرار أي خطأ من أخطاء الماضي؛ فالشعوب تبلغ المجد من صميم معاناة التعلم من تجاربها؛ فلا لاملاء أي أجندة أجنبية ؛ولا لأي حكومة حزبية غير منتخبة ؛ولا لأي سلاح خارج دائرة القوات النظامية ؛ولا لأي جمع بين المسمى الحزبي وامتلاك قوة مسلحة خاصة في آن ؛فإما أن تكون حزباً سياسياً ينال نصيبه عبر صناديق الاقتراع أو حركة مسلحة متمردة معادية للشعب يصطف الشعب خلف قواته النظامية في مواجهتها .
أما الحالمون بحكم السودان بأجندة المستعمر الجديد ولو على أشلاء وجماجم الشعب المسكين فآن لهم أن يفيقوا من حلمهم أو سكرتهم التي ظلوا فيها يعمهون ليروا الواقع كما هو وبلا نرجسية .إن الاستعداد للحرب يمنع وقوعها ويحقق السلام؛ وهذه هي أهم قاعدة لصناعة السلام .كما أن سيادة حكم القانون يجب أن تعلو على الجميع وتطبق عليهم بلا استثناء . فهنيئاً لجيش السودان وشعبه بهذا الفتح المبين .