الرأي

د. محمد احمد آدم يكتب : في الذكري الثالثة لرحيل الدكتور علي حسن تاج الدين

الراحل د. علي حسن تاج الدين

بسم الله الرحمن الرحيم
الذكرى الثالثة لرحيل الدكتور علي حسن تاج الدين

عندما يغيب الأفذاذ والعظماء تنطفيء منارة من منارات الإشعاع ويختفي ضوءها ويسود الكون الظلام وتنفطر القلوب لكونه محراب الأمة وظلالها الوارفة بقيمها ومبادئها وأخلاقها الباقية في حياة الناس
يصعب الرثاء والكلام لأنه ليس رجلآ عاديآ أو شخصآ عابرآ فهو رجل من بقايا رجال أمس
أكتب اليوم ومشاعري الجياشة توقدت فيها الحسرة والألم وتتكاتف الحروف واللغات لتزيدني بكاء فوق أحزاني الأليمة وذكرياتي العالقة وتنزفني دموعآ مع كل حرف وذكرى جديدة فما تزال ذاكرتي تعزف أجمل مشاهد الحضور في القلب بلانسيان في ذكرى رجل عرفته الأمم والشعوب والمجتمعات بالمباديء ومكارم الأخلاق وطيب المعشر
الدكتور علي حسن تاج الدين أحد عظماء إفريقيا والسودان وأعلامها البارزين وساستها الذين يشاروا إليهم بالبنان ورجالاتها القلائل فهو رجل ورمز وقامة وإنسان وعالم ومفكر ومؤرخ وسياسي وإداري وإجتماعي من الطراز الأول بل هو كتاب تقرأ في صفحاته المضيئة والمشرقة كل صور الانسانية والقيم التي إرتقى بها إلى سماوات العطاء
كان رجلآ من الهيبة والفخامة والوقار والمكانة في كل راحلة تحطه أقدامه فهو سليل الوجهاء
تمر اليوم الذكرى الثالثة لرحيله حيث شهدت مدينة الجنينة حلة(برنو) سابقآ حي الزهور حاليآ صرخة ميلادة في مطلع الأربعينيات من القرن العشرين والدته الحاجة الفضلي أم كلثوم إبنة القاضي عبدالمالك علي السنوسي أشهر قضاة سلطنة دارمساليت ورئيس سلطتها القضائية منذ العام 1916م وحتى العام 1956م ووالده الأمير حسن تاج الدين البرلماني الأشهر في تاريخ البرلمانات السودانية وأحد رواد الحركة الوطنية في السودان إبن السلطان تاج الدين سلطان دارمساليت وصاحب الإنتصارات الكبيرة التي حققها لدارمساليت على الإمبراطورية الفرنسية وكان أخرها في معركة دروتي التي سقط بها شهيدآ عام 1910م
تلقى تعليمه الديني بخلوة الفكي عبدالكريم بالقرب من منزل والده مع مجموعة من اخوانه واقرانه ثم درس الفقه على يد القوني السنوسي ضوالبيت أحد تلاميذ مولانا العارف بالله الشيخ أبوالقاسم إبراهيم السنوسي شيخ الطريقة التجانية بالجنينة وأحد مشاهيرها في السودان وغرب إفريقيا ثم إنتقل الى مدرسة الجنينة الأولية (أ) بنين التي أنشأت في العام 1946م حتى وصل الى المستوى الرابع او مايعرف برابعة كتاب أنذاك وكان نابغآ منذ نعومة أظفاره ومتفوقآ على أقرانه وزملائه وإحرازه المرتبة الأولى دومآ عقب إكماله للمرحلة الإبتدائية كان عليه أن يذهب مع بقية إخوانه الى المعهد العلمي بالفاشر إلا أن والده الأمير حسن تاج الدين أثر أن يرسلهم في بعثة دراسية الى الأزهر الشريف لتلقي العلوم والنيل من معارفه على غرار رواق دارفور ويعتبر الأمير حسن تاج الدين رائد التعليم في دارمساليت أنذاك فقد زار مصر في عهد حكم الملك فاروق ملك مصر والتقى به وطلب منه أن تتاح لهم الفرص لتعليم أبناء دارمساليت في مصر نسبة لعدم توفر المدارس هناك فوافق الملك فاروق ووجه بفتح ملف وأصدر تعليماته بأن يتم قبول أبناء دارمساليت بالأزهر الشريف ومن بعد الملك فاروق واصل الأميرحسن تاج الدين مساعية التعليمية فإلتقى في زيارة أخرى لمصر بكل من الرئيس محمد نجيب وجمال عبدالناصر والصاغ صلاح سالم لإعتماد الملف وعلى إثر ذلك وصل علي حسن تاج الدين وإخوانه الى مصر في العام 1952م وهم الدفعة الثانية بالأزهر الشريف من أبناء الجنينة سبقوهم الطليعة الأولى للأزهر في العام 1947م كالشيخ إبراهيم أبوالقاسم إبراهيم ومولانا سليمان عبدالرحمن ومولانا عبدالعزيز عمر الإمام ومدني فضل وغيرهم فإستقبلهم الأمير أحمد ادم إسماعيل الذي هو إبن عم الأمير حسن تاج الدين والذي كان يتمتع بمكانة خاصة عند الحكومة المصرية أنذاك بأعتباره من أبناء الذوات والأسر الحاكمة والذي بدوره أبلغ الصاغ صلاح سالم بوصولهم الى مصر وإلتحاقهم بالأزهر إلا أن من بينهم صغار السن كعلي حسن تاج الدين ومحمد حسن تاج الدين فأمر الصاغ صلاح سالم بتوجيههم لدراسة العلوم الحديثة رغم التحاقهم بالأزهر فألتحقوا بالأعدادية ليلآ والأزهر صباحآ ثم الثانوية ثم جامعة القاهرة التي درس فيها إدارة الأعمال وتخرج في العام 1964م وعاد الى السودان وعمل بوزارة المالية والاقتصاد ديوان شؤون الخدمة كما نال درجة الدكتوراه في العلوم الإدارية من جامعة السربون في العام 1972م وتقلد العديد من الوظائف الإدارية والقيادية الهامة بالسودان وكان على رأسها وشارك في لجان الإصلاح الإداري في السودان في العام 1972م الى 1975م واختير للعمل خارج السودان بالبنك الإسلامي للتنمية مؤسسة دولية في العام 1977 م الى 1986م ممثلآ للقارة الإفريقية التي ترك فيها بصمة واضحة في إدارة عمل البنك وسمعة طيبة وعاد منها الي السودان في العام 1986م حيث تم إختياره عضوآ بمجلس رأس الدولة ممثلآ عن حزب الأمة التي إنضم اليها في العام 1964م كأصغر عضو ثم أمينها العام في العام 1988م وكأول شخص من دارفور يتم إختياره في مجلس رأس الدولة حيث كان مسؤولآ عن إفريقيا وفرنسا وكان أكثر الأعضاء نشاطآ وفاعلية خاصة في المحيط الإقليمي كما أسس مع أبناء دارفور جبهة نهضة دارفور المطلبية في العام 1964م وكان مديرآ لأعمالها
وظلت مساهماته الفكرية والسياسية والإدارية والاجتماعية حاضرة داخل السودان وخارجه وإستطاع إن يجمع ويوازن مابين السياسة والإدارة والمجتمع في تناسق وتناغم فريد مستمدآ من إرثه وموروثه الثقافي وتقاليده الأهلية والمجتمعية فكان منزله قبلة لكل اهل السودان بمختلف أطيافهم ومكانآ للجميع دون تمييز برحابة صدره ودعاباته المعهودة والأمثال الشعبية التي يطلقها بين الفينة والأخرى وتشبعه بتراث وثقافات ومعرفة أهل السودان وخصوصآ اهل دارفور وبصفة اخص دار مساليت
لقد جسد الدكتور علي تاج الدين بكل معاني الحقيقة رجل الدولة والإدارة والسياسة والمجتمع وحبه لوطنه عبر مسيرة حياته العامرة وتاريخه الحافل الذي لم يعرف يومآ معنى التردد والإنكسار
رحل الدكتور علي حسن تاج الدين والوطن في أحوج مايكون لوجوده ولدهائه في هذه الظروف والمرحلة الحرجة والمفصلية من تاريخ السودان والكارثة التي المت بشعبه والدمار الذي لحق به وغاب عن الحياة في صمت في صبيحة التاسع من يناير من العام 2022م بجمهورية مصر العربية عن عمر ناهز الثانية والثمانين عن هذه الفانية وكأنما دخل من باب وخرج من باب تاركآ خلفه سيرته الطيبة وعطاءه الخالد وذريتة الصالحة التي تدعو له بالرحمة والمغفرة والرضوان
عزائي في هذه الذكرى الثالثة لرحيلة لكل اشقائه وشقيقاته وأسرته الكبيرة والممتدة ولكل أحبابه واصدقائه ورفقائه والى أسرته الصغيرة زوجته وابنائه و بنته وأحفاده وأصهاره
اللهم أنزل عليه شأبيب رحمتك ومغفرتك
اللهم أجعل الفردوس الأعلى مقامه ومستقره واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا

إنا لله وإنا إليه راجعون
د/ محمد احمد ادم
الخميس
التاسع من يناير
2025م

اترك رد

error: Content is protected !!