
إنهاء الحرب في السودان ضرورة عاجلة لا تحتمل التأجيل، للشعب السوداني أولًا، وللمنطقة بأسرها تبعا لذلك. غير أنّ هذا الهدف لن يتحقق عبر تسويات مفروضة من الخارج، ولا من خلال صفقات تُدار بحسابات مصالح خارجية. لقد كان بوسع الرباعية أن تفتح طريقًا معقولًا نحو عملية سلام حقيقية، لكن مسارها تشوش بالاصرار على تصفية الحسابات السياسية، والشروط المسبقة، والتواطؤ مع الممكّنين الأجانب—وفي مقدمتهم الإمارات. مثل هذه المناورات ليست فحسب عقيمة، بل خطرة، لأنها لا تُنهي الحرب بل تُطيلها عمدًا.
ومع ذلك، فإن اي بداية جادة لجهد حقيقي من الرباعية ينبغي أن تكون من عند الموقّعين أنفسهم. فإذا كان بيانهم يعكس إرادة سياسية صادقة، فليُظهروا ذلك بالفعل قبل القول، عبر الالتزام بما أعلنوه هم في بيانهم: العمل وقف الدعم الخارجي الذي يؤجّج نيران الحرب. لقد أكّد الكونغرس الأمريكي مرارًا وبوضوح أنّ الدعم المالي والعسكري الذي يقدّمه أحد أعضاء الرباعية—دولة الإمارات—لقوات الدعم السريع هو العامل الاساسي في استمرار الحرب في السودان. ومن دون معالجة هذا العامل، لا يمكن لأي بيانات صادرة بمشاركة الامارات عن وقف الحرب في السودان أن تكون ذاترمصداقبة.
الأرواح قبل السياسة. مأساة السودان لا يجوز أن تُختزل في لعبة مصالح اقليمية أو مساومات سياسية. نقطة البداية الحقيقية لانهاء الحرب او التوصل لوقف اطلاق نار تكمن في الفاشر: رفع الحصار، وإغاثة المحاصَرين، وتخفيف المعاناة، قبل أي غوص في وحل الصفقات والمساومات. هذه الضرورة الإنسانية لا ينبغي أن تُدفن تحت ركام الالاعيب الدبلوماسية ولا أن تُستخدم كورقة تفاوضية.
على الرباعية أن تمارس ضغطًا مباشرًا على الإمارات، بصفتها عضوًا فيها، لإجبار وكلائها في قوات الدعم السريع على إنهاء الحصار، وفتح الممرات الإنسانية، وكسر هذا الطوق الخانق. لا مكان هنا للتلاعب أو للتستر الدبلوماسي. وعلى المجتمع الدولي أن يترجم قراراته إلى أفعال، بدءًا بقرار مجلس الأمن 1591، عبر فرض عقوبات على الإمارات بسبب إمداداتها غير المشروعة من السلاح. إن لم تبادر الرباعية إلى خطوات حاسمة، فعليها أن تكفّ عن تمثيل دور الوسيط.
الفاشر ليست قضية ثانوية، بل هي معيار الاختبار. فأي حديث جاد عن وقف إطلاق النار لا يبدأ بفك الحصار وإنهاء استخدام التجويع كسلاح، ليس سوى لغو سياسي. وإن عجزت الرباعية وأعضاؤها عن إثبات قدرتهم هنا، فإنهم يفتقدون أي رصيد من المصداقية في أي ملف آخر. أما محاولات بعض القوى الدولية—وفي مقدمتها ممثلو الحكومة البريطانية—لتطبيع الوضع في الفاشر أو دفنه تحت حسابات سياسية وعسكرية ضيقة، فهي تواطؤ صريح في جريمة حرب.
الأفعال أبلغ من الأقوال. ومع انسداد أسماع العالم عن سماع الحقيقة في السودان، بات السودانيون بدورهم لا يعبأون بالبيانات الرنانة. اللغة الوحيدة التي لا يزال يفهمها الجميع هي لغة الفعل.
السودان اليوم لا يحتاج إلى بيانات أكثر، بل إلى أفعال أكثر .