(1)
الدولة الوطنية هي نتاج مجتمعات غير المجتمعات الدينية والطائفية والهوياتية انها أمة المواطنين بكل تناقضاتهم الدينية والاثنية والعرقية، ولذلك فإن العقد الاجتماعي المؤسس للمشروع الوطني الديمقراطي هو ملك لكل المواطنين ولا يجب احتكاره في كتل دينية وايديولوجية بل يجب أن تذوب هذه الأبعاد في إطار المشروع الوطني الذي يسع الجميع
(2)
أن التركيز على قضايا البناء الوطني الديمقراطي البداية الواثقة لبناء الأمة السودانية تحت شعار نحن الأمة السودانية ضد الاستبداد التاريخي المتراكم، ومع بناء النظام الوطني الديمقراطي المستدام وهذا مدعاة لصيانته من غاشيات الانقلابات، والثورات المضادة وتحصينه من الاختراقات الخارجية التي تسعى لتوظيف المتناقضات الداخلية لوأد المشروع الوطني الديمقراطي والذي يجب أن يكون هو الثابت الاستراتيجي
(3)
العالم العربي في تأثره وترابطه ظل جسما موصلا للثورات منذ ثورة مجتمعاته الأولى ضد الاستعمار، ولكن الانقلابات المضادة التي انفجرت في مرحلة ما بعد الاستقلال تحت شعارات القومية والاشتراكية الوطنية والاممية والناصرية كان هدفها وأد الموجة الثانية من ثورات الشعوب والتي كانت بواعثها تأسيس نظرية الحكم وإدارة الدولة وصناعة مشاريع النهضة الشاملة على هوادي قوامة المجتمع، فبدلا من ان تتوافق هذه التيارات الفكرية والايديولوجية المتناقضة على عمليات البناء الوطني بادي ذي بدء كأولوية وطنية قصوى لتحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي، طفقت في اختزال كل الوطن ومجتمعاته داخل ايديولوجياتها الأحادية.
(4)
فكانت ثورة يوليو 1952 في مصر، وثورة عبد الكريم قاسم في العراق 1958 ثم انقلاب البعث بقيادة عبد السلام عارف 1963، والحركة التصحيحية بقيادة البكر 1968، والثورة الجزائرية التي قادت الاستقلال عام 1962 وثورة القذافي ضد الملكية السنوسية 1969 وانقلابات سوريا منذ انقلاب حسني الزعيم حتى انقلاب البعث عام 1963، وانقلاب الأسد عام 1970، وانقلاب النميري في السودان عام 1969 وانقلاب الحركة الإسلامية في السودان 1989
(5)
كل هذه الانقلابات نهضت باسم شعارات الثورة والإصلاح، والنهضة والحرية وقوامة الشعوب في الحكم لكنها انتهت إلى أنظمة استبدادية مطلقة لأنها ركزت الأولوية على تمكين الأيديولوجية الحزبية العابرة للحدود بدلا من التركيز على عمليات البناء الوطني الديمقراطي ، ولذلك كانت هذه الثورات محض ثورات زائفة متجاوزة لإرادة الشعوب وانتهت إلى قهر الشعوب، بل ارتد استبدادها وتنكبها على ذات الأحزاب والافكار والقيادات التي صنعتها وآلت في النهاية إلى حكم الفرد والأسرة، وصناعة دول فاشلة متفاقمة النمو.
(6)
هذه التجارب التاريخية الفاشلة أكدت أن الثورة الوطنية الديمقراطية العميقة يجب أن ينهض بها كل المجتمع فهي ثورة لا دين ولا ايديولوجيا ولا عصبية لها وتكمن العبقرية في توظيف وتذويب هذه التناقضات لبناء قضايا البناء الوطني الديمقراطي.
وأكدت ايضا إن اندماج كل الأحزاب السياسية في فضاءات الممارسة الفكرية والسياسية المرتكزة على الديمقراطية التوافقية المستمرة ، الخيار الاستراتيجي لتطور الأحزاب السياسية وتأسيس مشروعية استمرارها من قاعدة المجتمع.
(7).
تبقى العبرة ان المشروع الوطني الديمقراطي لا يتشكل من ايديولوجيا آحادية بل من رحم ثورة تغيير صبورة ودؤوبة ومستمرة، وطالما أن الثورة تنفجر نتيجة الوعي من كل قطاعات المجتمع فالأصل أن تكون هوادي الشراكة والتوافق والإجماع الوطني طويل المدى المرجعية لإدارة المراحل الانتقالية، والمرجعية لإدارة التجارب الديمقراطية ريثما يتحقق الانتقال من ثقافة الاستبداد البطركية، إلى ثقافة ومأسسة الديمقراطية في بنية المجتمع والأحزاب السياسية وذلك لإنهاء علل وأمراض الاستبداد المتراكمة وتحصين المشروع الوطني الديمقراطي من الردة
(8)
أن غرس المشروع الوطني الديمقراطي يلزمه دمقرطة وقومية الأحزاب السياسية، وتأسيسها على هوادي الفكر والبرامج وتداول القيادات وان تكون هذه الاحزاب متحررة من ولاءات الأيديولوجيا العابرة للحدود والولاءات الطائفية ، والهوياتية، وان تتوافق هذه الأحزاب السياسية مع بعضها فكريا وسياسيا لغرس المشروع الوطني الديمقراطي المستدام.