الجسارة والجرأة ليست في الهروب من الشعار الاسلامي بل في تبنيه، وربطه بإحكام بالممارسة الديموقراطية، وهذا يستلزم عدم تبنى أي مشروع تشريعي أو قانوني إسلامي أو تقليدي أو علماني مسبق، والقبول بنتائج العملية الديموقراطية فيما تفضي إليه.
الساحة السودانية في أشد الاحتياج الى (تحالف ديموقراطي إسلامي) يتبنى بوضوح تمكين المجتمع من التعبير عن ثروته الفكرية الاسلامية الباهرة، ويتبنى ممارسة الديموقراطية الكاملة بأمان من أي ثوابت تتمثل في خيارات مسبقة يجب فرضها على الدولة السودانية للتنفيذ، سواء كانت هذا الخيارات اسلامية أو علمانية.
الخيار الحر المستنير يصحح نفسه بالاستمرار في الممارسة الديموقراطية، والتوجه الاسلامي العام يمكن أن يكون المحضن الوطني الآمن من الوصاية الخارجية والاستقطاب الحاد الذي عصف بالاستقرار في الفترة الانتقالية.
الساحة السودانية – تحديدا – تحتاج لهذا التجمع السياسي اليوم قبل الغد، ولا أسميه حزبا، ليس لأن تأسيس حزب أمر سيء، بل هو أساس الديموقراطية التعددية، ولكن لأن اختزال هذا التجمع في قالب حزبي يقزم فكرته الأساسية في طور التكوين والتاسيس، وهي التحالف بين مجموعات وأفراد وربما أحزاب مقتنعة بالديموقراطية حقيقة وممارسة، ومقتنعة بأن (التوجه الإسلامي العام) هو عامل إيجابي للإستقرار والتطور وقد شرحت كثيرا الفرق بين الإسلام السياسي والايدولوجيا الاسلامية من جهة، و(التوجه الاسلامي العام) من جهة أخرى وما كتبته متوفر، منذ قرابة العشر سنوات.
الديموقراطية تنجح وتزدهر عندما تكون صناعة داخلية وطنية، ربما تتجه الأذهان إلى أن العالم الغربي الديموقراطي يدعم الديموقراطية ويمكن بالتواصل معه أن يتم إختصار الطرق لأنهم يعلنون مرارا وتكرارا أنهم يدعمون الديموقراطية.
نعم، صحيح ولكن ما يقومون به حاليا ليس “دعم الممارسة الديموقراطية” بل دعم المواجهة العدائية المريرة ضد من يتم تصنيفهم أنهم أعداء الديموقراطية وحقوق الإنسان.
هم لا يدعمون تأسيس أحزاب ومنظمات ديموقراطية حقيقية، إنما مجموعات مناصرة اعلامية تحت لافتات أحزاب، وقد لا يشجعون الموجود منها حاليا على ممارسة الديموقراطية داخلها، ويفعلون نقيض ذلك احيانا بتقوية أجسام شمولية استبدادية صماء من الداخل والخارج تعادي الانتخابات والاقتصاد الحر والانفتاح في العلاقات الدولية. المطلوب فقط أن تتماهى هذه الاجسام مع ضرب المستوي العلوي من الشمولية. لماذا؟ لأنه حتى الصادقين في دعم الديموقراطية في العالم الغربي من أفراد ومنظمات يخضعون – في تمرير هذا الدعم – لأجندة دولهم التي ترى أن ضرب المستوى العلوي للشمولية ينتج كروتا من الضغط تحوزها الحكومات والمنظمات فيساومون قيادة الدولة على قضايا أخرى لا صلة لها بالديموقراطية ولا بحقوق الانسان.
الآن، دعوني أشرح بإيجاز فكرة (التحالف الديموقراطي الإسلامي).
أولا: تحالف، لأنه تجمع عريض وفضفاض، يجوز تعدد المنابر والمجموعات داخله، ولا يطرح التوجه الاسلامي كآيدولوجيا ولا يمتلك نموذجا محددا لهذا التوجه، لانه لو تمت “النمذجة” سيتحول التوجه العام الى آيدولوجيا ضيقة.
كما لا يتبنى التحالف نسخة محددة للديموقراطية، رئاسية، برلمانية، مختلطة، بل ينشغل بالحد الأدنى في تفعيل وتمكين الديموقراطية، وهو ضرورة ممارسة الانتخابات والاقتراع والتصويت، بصورة مستمرة وفي تواقيت لا يتم ترحيلها وعبر قواعد لا يجوز الالتفاف عليها.
ثانيا: ديموقراطي، لأنه ينحاز للممارسة الديموقراطية الشاملة، ويتنباها معيارا لمواقفه من الكيانات الاخرى. المهم عنده هو قيام الانتخابات، والممارسة الديموقراطية داخل الاحزاب، داخل منظمات المجتمع المدني، النقابات، الروابط، داخل لجان الأحياء، وقبل ذلك كله داخل تكوين التحالف الديموقراطي الإسلامي نفسه وقي طريقة حسم القضايا داخله. والفرق هنا واضح بينه وبين الأحزاب والمنظمات التي تنحاز للديموقراطية باعتبار أنها تواجه اهداف صنفتها بأنه معادية للديموقراطية وحقوق الانسان، ولا تكترث بالممارسة الديموقراطية داخلها أو خارجها لأن الانحياز للديموقراطية عندهم لا صلة له البتة باجتماع مئة شخص في الهواء الطلق لممارسة انتخاب ولا اقتراع ولا تصويت، بل حشد هؤلاء المئة في مواجهة تم تحديدها لهم سلفا.
ثالثا: إسلامي، لأن التوجه الاسلامي خيار وطني متصالح مع المجتمع، لا توجد في السودان البتة حالة حقيقية من العداء بين الدين والمجتمع، لقد فشلت وستفشل اي محاولات لصناعة هذا العداء.
لا يوجد في السودان على مستوى شعبي أي إنكار لدور الإسلام وقيمه ومبادئه في بناء البلاد والاقتصاد وتقوية نسيجها الاجتماعي، بل العكس تماما، الفكر الاسلامي هو الأخصب في توليد أفكار عصرية قريبة ومقبولة للمجتمع. إذا كانت هنالك تجارب في دول أخرى -في العالم الغربي أو غيره- قامت على تنحية الدين من أي دور مباشر في المجتمع فهذه نماذج ربما تكون مرتبطة مع تطورات في تلك البلدان، أو ربما تكون الارتدادات التاريخية للممارسة الدينية أدت لذلك. هذا التطور الذي حدث في بلدان اخرى لا يعني حرمان السودان بأن يقوم الدين فيه بدور ايجابي في الديموقراطية وحقوق الانسان.
مجددا، التوجه الاسلامي العام يعني فقط الايمان بدور الدين الايجابي في الحياة، على نقيض من يرفض ذلك ويوغل في التعميم والاستئصال.