الرواية الأولى

نروي لتعرف

هموم وقضايا / السفير د. معاوية التوم

خيارات السودان في سلام مفروض : قراءة في السيناريوهات المحتملة!؟ والتاريخ لمن يكتبه..

السفير د. معاوية التوم

✦ مقدمة

في ظل الحرب المدمرة التي دخلت عامها الثالث، بآثارها الممتدة وكلفتها المتعاظمة، لا تكاد البلاد تجد نفسها لالتقاط الأنفاس لرصف الطريق من ركامها، وتغيير الواقع الذي خلفته الحرب المفروضة عليها. بالمقابل يتكثف الحراك الدولي والإقليمي يدخانه لفرض تسوية سياسية عاجلة في السودان. بخيارات ليست من صنع دولته وقادته وسياسيّه، من وحي الضغوط التي تمارسها القوى الغربية والإقليمية والتي تبدو كأنها تدفع البلاد نحو سلام “مفروض”، أشبه بما جرى في البوسنة عام 1995 عبر اتفاق دايتون. هذا النموذج الذي أنهى الحرب البوسنية لكنه خلف دولة مشلولة سياسيًا واقتصاديًا، يثير مخاوف مشروعة من تكرار السيناريو ذاته في السودان.وأن الأسس التي تقوم عليها المعادلة التي تمضي، وصفتها ملغومة ومجربة لا تضع مصالح البلاد وأمنها القومي ومشاغلها وماقدمت من تضحيات جسام في الحسبان.

فما هي السيناريوهات المحتملة أمام السودان؟ وهل يمكن للسودانيين صياغة بدائل تقيهم الوقوع في فخ سلام هشّ سليب يُعيد إنتاج الصراع بدل إنهائه؟ بل يمكن ان ينتج مولودا اكثر تشوها مما عليه الحال من واقع السباق الدولي المحموم والنزوات الخارجية الجامحة، والخطوب تصنع المعجزات!؟.

✦ أولاً: ملامح التحشيد الدولي نحو سلام مفروض
تتداخل إرادات وأجندات دولية وإقليمية في الأزمة السودانية، أبرزها:


• الولايات المتحدة تقود جهودًا لوقف الحرب بسرعة وتعجل متعمد، بفرضيات شاطحه ومخاوف وافتراض من انهيار الدولة وتداعيات ذلك على المنطقة.الامر الذي لم يحدث والتمرد في قوته وعدته وعتاده ومنابره.!.
• الرباعية الإقليمية الاولى (بريطانيا السعودية، الإمارات، امريكا) جميعها تسعى إلى ترتيب مشهد ما بعد الحرب بما يخدم مصالحها الجيوسياسية بنهج طاف كل عواصم الاقليم ولم يفلح . ومصر وقطر تدخلان على الخط لاتزان المقود.
• الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان مسارًا تفاوضيًا قد يكرّس موازين القوى الحالية، يجمع ما بين الرباعية الاولي ومنبر جدة، بإضافة دول اخرى ولو على حساب السيادة الوطنية.
هذا التحشيد يعكس رغبة خارجية لإنتاج سلام “أمر واقع”، متجاهلًا التطورات التي جرت منذ ٢٩١٩ الديناميات الداخلية وتعقيدات المشهد السوداني.


✦ ثانياً: مقارنة موجزة مع دايتون البوسنة

اتفاق دايتون عام 1995 أنهى الحرب الأهلية في البوسنة بعد تدخل أمريكي مباشر وضغط دولي مكثف. أبرز ملامحه:
• تقسيم السلطة بين الكيانات العرقية (الكروات، الصرب، البوشناق).
• وجود قوات دولية (إيفور وسفور) لضمان تنفيذ الاتفاق.
• دولة مركزية ضعيفة عاجزة عن اتخاذ قرارات سيادية كبرى دون تدخل دولي.وقبول تام بالوصاية الدولية.
أوجه الشبه مع السودان:
• بيئة حرب ونزاع معقدة تشهد أطماعا وتدخلات خارجية واسعة.
• وجود مليشيات ومرتزقة وعملاء وحركات مسلحة يضخم نفوذها ويظن انها تسيطر على مساحات واسعة.
• ضغوط لإنتاج تسوية عاجلة تحت رعاية دولية، جربت سبلها ونتائجها الصفرية.
الدروس المستفادة:
• سلام مفروض دون معالجة جذور الصراع ينتج دولة هشة تعتمد على الخارج.
• تهميش السيادة والإرادة الوطنية يفتح الباب أمام أزمات متجددة بدل السلام المستدام.


✦ ثالثاً: السيناريوهات المحتملة أمام السودان

1- القبول المشروط بالتسوية:
• إيجابيات: إيقاف نزيف الحرب، معالجة الأزمة الإنسانية.
• سلبيات: خطر سلام افتراضي وهشّ يكرس الانقسام ويمنح المليشيات شرعية سياسية ويباعد نجعة التحول الديمقراطي، ويسقط العدالة والية التعويض .
2- الرفض المطلق للسلام المفروض:
• إيجابيات: هو خيار وطني القرار والوجهة لحماية السيادة الوطنية وصياغة رؤية سودانية خالصة مهما تعاظمت كلفتها لن تقارب كلفة الحرب التي بعض اطرافها هي من يدعى السعي لسلام واهم.
• سلبيات: استمرار حالة الهشاشة، واستنزاف الموارد، مزيد من الضغوط الدولية. والخيار لكنها ربما سبيل لانعتاق و نصر كامل وسلام مستدام .
3- طرح مبادرة وطنية بديلة:
• صياغة خارطة طريق سودانية بمشاركة القوى السياسية والمجتمعية.
• عرض المبادرة على الاتحاد الإفريقي والإيقاد لتوفير مظلة إقليمية داعمة.
4- المناورة الدبلوماسية الإيجابية:
• استغلال التباينات بين القوى الكبرى لبناء موقف تفاوضي متوازن يضع الصين وروسيا في كفة الترجيح وتضييق الخيارات.
• وتعزيز العلاقات مع أطراف دولية تسعى لمصالحها ولا تدعم الوصاية المطلقة على البلاد.
5- الجمع بين المسارين العسكري والسياسي:
• تحقيق مكاسب ميدانية تفرض واقعًا جديدًا على طاولة التفاوض.
• استخدام العمل العسكري واثق الخطى كورقة تفاوض وليس كخيار دائم.


✦ رابعاً: توصيات استراتيجية


• توحيد الصف الوطني: ضرورة ملحّة لمواجهة الضغوط الخارجية وتبديد أحلامها ومشروعاتها التي تراهن عليها.
• إعداد رؤية بديلة: لتفادي الوقوع في فخ تسوية تنتج دولة هشة.
• تحرك دبلوماسي نشط: لتسويق الخيار الوطني كحل أكثر استدامة بعظات التاريخ وسوابق التجارب.والشواهد الماثلة.
• إصلاح المؤسسات: وضع الإصلاح الشامل لمؤسسات الدولة وتوجهاتها على الصعيدين الأمني والعدلي وفق مصالح شعبها في قلب أي تسوية بعيدة عن نزوات الخارج وضغوطه وأجنداته المتحركة.


✦ خاتمة

قيادة الدولة والقوات المسلحة امام مسؤلية وطنية تاريخيّة ولكن اليقين انها على قدر التحدي والتضحيات ..لأن السودان يقف على مفترق طرق حاسمة وخيارات تتلبس الكيد والشر المحض؛ والقبول بتسوية مجحفة ومفروضة تسقط ارادتنا الجمعية وعزتنا الوطنية في زمان الهيمنة والقوة المادية ، لا يشبه قيادة البلاد التي كتبتها الأقدار و أدخرتها، و ائتمنها الشعب ووقف الي جانبها سندا ونصرة، متجاوزا كل ما اصابه من آلام و مقعدات. سلام على هذ النحو المهين قد يحقق شكلاُ مشوها ومؤقتًا خاوي من اي مضمون ودون ضمانات، يحمل النذر في طياته و يهدد مستقبل كيان الدولة ووحدتها. والخيار البديل – رغم صعوبته وتحدياته – لكنه مأمون ومستدام نكتبه بايدينا عزيزا أبيا يشبه شعبنا ونضاله الذي كسر سردية وسطوة الحرب المفروضة ورهانها، وبدد تطلعاتها وهزم عملائها ورعاتها الكثر . والمضي قدما في استكمال النصر ودحر العدو لا يقارن بالمضي في طريق السراب والهشيم ..سلامنا الذي نرجوه ونأمله في قيادة الدولة يكمن في استعادة القرار الوطني وتحريره من فك الاسد، بصياغة مشروع وطني شامل بمبادرة وطنية داخلية تعكس إرادة الشعب السوداني القادرة، تقدم خلاله تنازلات كبيرة بين ابناء الوطن وقواه المختلفة دون إقصاء ، لاجل الاستقرار والوحدة، من شأنه أن يجنب البلاد تكرار تجارب السلام المفخخ الهش والمخزي كما حدث في البوسنة.سلام نكتبه به يسلم مركب السلام الداخلي على تلاطم الأمواج من حوله ، وتنجو الدولة والشعب من مؤامرات وقبضة الوحوش المفترسة التي تتصيد البلاد وتسعى للإحاطة بها دون فكاك.

٢٢ يوليو ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!