من زاويةٍ أخري / محمد الحاج

خارج الصندوق ٢ تقسيم السودان Vs التواجد الامريكي الاسرائيلي في افريقيا


لفك طلاسم الحرب الدائرة في السودان و بما أننا حاليا نشهد تطورات كبيرة في المشهد السوداني وذلك نتيجة للضغوط الكبيرة و التي يمارسها المجتمع الدولي علي الدولة السودانية و بما اننا بتنا نعلم بأن هذه الحرب ليست بحرب عبثية و انما هي حرب للإجهاز علي الدولة السودانية لاتمام المشروع الاستيطاني الاستعاري التقسيمي و الذي تقوده و تقف من خلفه الحركة الصهيونية السياسية و الذي اصبح يعبر عنها التحالف الامريكي الامارتي الجديد آلذي يعمل حالياً علي تحقيق الاهداف الاستراتيجية للمخطط الاستعماري و الذي تدور جميع وقائعه حول تنفيذ مخطط تقسيم السودان و فصل اقليم دارفور و الذي يعد النقطة المركزية للمخطط الذي من اجلها تم إشعال الحرب علي الدولة السودانية بعد فشل عملية الهبوط الناعم الثانية و الثالثة لعملية التغير في السودان و التي قادتها الوكالة الجديدة بعملاء من الداخل السوداني، و لكي نفهم اكثر فلابد من أن نتعمق في صياغ الاحداث التاريخية و التي تبين الاهداف الرئيسة للمخطط الاستيطاني و الاستعماري الجديد مخطط (الشرق الاوسط و القرن الافريقي الكبير) بقيادة آمريكا و الإمارات الواجهة الجديدة للحركة الصهيونية السياسية و اللتان تعبران حالياً عن مصالحها و اهدافها الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط و أفريقيا، و لمعرفة ابعاد هذا المخطط لابد من أن نعرج علي بعض الحقائق التي من شأنها أن تساعدنا علي خلق استراتيجية شاملة في مجابهة و إفشال جميع اوجه و استراتيجيات مخطط السيطرة علي الدولة السودانية و الذي يجري تنفيذه حاليآ بقيادة آمريكا و الامارات بمعاونة دولية.
إن امريكا و اسرائيل ظلتا تعملان علي الدوام علي فرض سيطرتها علي منطقة القرن الافريقي و السودان خصوصاً وذلك فى إطار صراعهما مع العربي لاجل ألا يكون السودان مصدر قوة في المنطقة و خصوصاً لمصر, التي لعبت دوراً مهماً في الصراع العربى مع إسرائيل، وهى تسعى بإستمرار على تهديد الأمن القومي السودانى منذ عام 1952م، فقبل أن ينال السودان إستقلاله قامت الدولة العبرية بدعم ومساعدة التمرد بالجنوب لإضعاف قوى الشمال ذات الإرتباط العربى، فقد صنَّفت إسرائيل السودان على أنه دولة معادية لها, نتيجة لمشاركة كل وحدات الجيش السودانى القتالية بالفعل في الصراع ضد إسرائيل فى حرب إكتوبر 1973 م، وجعل أرضه في الشمال الشرقي تحت تصرف القيادة المصرية لنصب صواريخ أرض جو لإفشال أي عملية إلتفاف على الجيش المصري لضرب السد العالي, ولم تغيِّر العلاقة التي نشأت بين المخابرات السودانية والإسرائيلية في عهد الرئيس السابق جعفر محمد نميري من توصيف الحالة بين إسرائيل والسودان، بدليل أن إسرائيل رغم نجاحها في وجود علاقة مع مركز القيادة السودانية إلا أنها لم تتوقف عن دعمها لحركة التمرد في جنوب السودان.
ومع مجيء نظام الإنقاذ بدأت إسرائيل تعيش حالة من القلق بعد إدراك أن الحركة الإسلامية السودانية هى التى تقف من وراء ذلك الإنقلاب, وقد كشف بنيامين نتنياهو (حزب الليكود) عن أن السياسة الإسرائيلية تجاه السودان تقوم على أساس العمل لإسقاط الحكومة وتغيير النظام، وهو ما عرضه نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي عام 2002 م, حيث طالب الحكومة الأمريكية بالعمل على إسقاط ستة أنظمة في الشرق الأوسط من بينها السودان, ومازالت إسرائيل تمارس سياستها المرسومة ضد السودان منذ عقود والتي ترتكز على نظرية التخوم, أو سياسة شد الأطراف وذلك من خلال استمرار دعمها لحركات التمرد في الجنوب في السابق وفي دارفور حتي الان، فلم تتغير تلك السياسة على الرغم من حدوث الكثير من المتغيرات والتبدلات الإقليمية, إذ ما تزال إسرائيل متمسكة بإستراتيجية شد الأطراف بهدف إضعاف المركز السودانى و الذي انهار بعد نجاح اختراق الامن القومي و اسقاط نظام الانقاذ بالعام ٢٠١٩م و تمكين سيطرة وكلاء الداخل بما يسمى بمشروع التغير في السودان من الإستيلاء علي سدة الحكم و ذلك باستقلال الثورة الشعبية ضد نظام الانقاذ و و الذي ادي الي دخول السودان في حالة عدم استقرار و ادي في نهاية المطاف الي اشعال حرب ١٤ ابريل التي اتت نتيجة الي تدخل الجيش السوداني لوقف المشروع الخارجي للتغير في السودان من قبل الوكيل الجديد , فقد كانت إلحركة السياسية الصهيونية و وكلائها جزء من القوة الدافعة على تصاعد وتيرة الأزمة في السودان لصناعة التغيير ليتم تقسيم السودان و خصوصاً فصل اقليم دارفور، وقد نجحت الحركة الصهيونية السياسية ووكالتها فى إستغلال أزمة دارفور وحالياً يتم اعادة استحداث لخطة فصل دارفور مرة اخرى و بنفس السناريو وهو سناريو الدوافع الانسانية من أجل تحقيق مصالحة دولة الكيان و التى تتبناها فى سياساتها الخارجية لتحقيق إختراقها الكامل للقارة الإفريقية و الذي لان يحدث الي بالإستيلاء علي كامل البوابة الافريقية (السودان), وذلك لدق إسفين العلاقات بين العرب والأفارقة و ازالة خطر السودانية في احداث التوازن المطلوب بين العروبه و الافريقية , فقد قامت إسرائيل بالترويج بأن الصراع في دارفور بين عرب وأفارقة و الي الان تقوم بالترويج له عن طريق وكلائها، وذلك بترويج أن الأفارقة يواجهون هولوكوست (محرقة) بأيدى مليشيات الجنجويد العربية و هو ما حدث لاحقا نتيجة لتأطير الصراعات في دارفور و نتيجة لأخطاء نظام الأنقاذ السابق في العمل علي تهدئة الأوضاع بين مكونات المجتمعية في الغرب السوداني، إن إسرائيل قد اخذت في تصعيد الخلافات في دارفور و ذلك لاختراق الامن القومي السوداني من خلال المنظمات التابعة للجمعية اليهودية الأمريكية مثل تحالف أنقذو دارفور (Save Darfur) من أجل التحرك الدولى لوقف الإبادة الجماعية فى دارفور حسب تعبيرهم, ويتكون هذا التحالف من 180 منظمة حقوقية ودينية يهودية حيث تم إنشاؤه فى عام  2004 م, كما أن هنالك مجموعة أخرى من المنظمات التى تلعب دورا مهما فى قضية دارفور مثل منظمة إتحاد العالم من أجل دارفور (Globle for Darfur) التى تتكون من مجموعة من المنظمات الحكومية التى تعمل فى دارفور, وأبرز هذه المنظمات المكونة لهذا الإئتلاف هى اللجنة اليهودية الأمريكية (The American Jweish committe) أبرز جماعات اللوبى فى الولايات المتحدة, منظمة الخدمات الأمريكية اليهودية العالمية, تحالف الإتحاد الإنجيلى الدولى, أمريكيون ضد الإبادة الجماعية فى دارفو, إتحاد طلبة اليهود بأوربا, منظمة العفو الدولية, منظمة هيومان رايتس ووتش (Human Rights Watch), مجموعة الأزمات الدولية (CRISES GROUP) والإتحاد الدولى لحقوق الإنسان تحالف أنقذو دارفور,كل هذه المنظمات ولجت إلى إقليم دارفور عبر مسألة اللاجئين، لإضفاء بعد إنساني على سياستها تجاه الأزمة، وبهدف تقديم العرب على أنهم يسيئون معاملة الأقليات الأفريقية, وراحت تدعي كذباً بأنها تقف مع الدارفوريين لتخليصهم من العبودية في السودان، وذلك لكي تكرر تدخلها في العالم العربي من جديد بعد تدخلها فى الجنوب السودانى الذى انفصل عن وطنه الأم فى يوليو العام ٢٠٠٥م.

“إن نجاح امريكا و إسرائيل في تطوير علاقاتها مع الدول الإفريقية في غرب القارة خاصة تلك الدول التي تقع جنـوب الصحراء والمناطق المتاخمة للدول العربية, قد حقق لهما مـكاسب إستراتيجية كبيرة، وساعد اسرائيل على تلافي نقاط الضعف الإستراتيجي المتمثلة في إحاطتها بطوق عربي محكم, والوصول إلى الظهر العربي المكشوف في ميدان لا يتوقعه العرب” بهذه الكلمات لخّص رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي السابق الجنرال حاييم لاسكوف سياسة بلاده تجاه قارة أفريقيا, تلك السياسة التي يزداد فيها الدور الإسرائيلي ظهورا كلّما اشتعلت الخلافات في مختلف مناطقها, خاصة بعد اكتشاف العديد من الثروات الطبيعية من نفط ويورانيوم و اللثيوم في أراضي القارة الأفريقيبة, ولعل السودان هو أحد الأركان الهامة في هذه الإستراتيجية، بالنظر إلى المحاولات المستمرة التي بذلت من قبل حكومات تل أبيب المتعاقبة منذ أواسط القرن العشرين في أن تجد لها موطيء قدم في تلك البقعة سواء كانت في الجنوب السوداني أو في دارفور, فإقليم دارفور له أهمية إستراتيجية واقتصادية  بالغة على أجندة المخططات الإسرائيلية أو الأمريكية الداعمة لها على طول الخط، حيث موقعه المحاذي لبحيرة بترولية ضخمة تمتد من إقليم بحر الغزال مرورًا بتشاد والنيجر وموريتانيا ومالي والكاميرون،وبالتالي فإن السيطرة عليه يعد بمثابة صمام الأمان لسهولة تدفق النفط المستخرج من هذه المنطقة، وكونه أيضًا أحد أكبر المناطق الغنية بالنفط على مستوى العالم، والتي لم يتم إستغلالها حتى الآن بسبب ما يشهده السودان من صراعات وحروب أهلية منذ فترة طويلة.
ويتخطى الاهتمام الإسرائيلى الأميركي تحديداً بدارفور مسألة الاعتبارات الإنسانية، إذ تُدرك إسرائيل والولايات المتحدة أن قارة أفريقيا تشكل واحدة من أسرع المناطق نمواً في إنتاج البترول، فبحلول عام ٢٠٢٥ م سيكون بوسع الولايات المتحدة أن تستورد من إفريقيا ما يعادل الكمية ذاتها من البترول التي تستوردها حالياً من الشرق الأوسط بحسب الدراسة التي أعدها المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية بواشنطن بعد دراسة العام ٢٠٠٩م و التي اشارت الي نفس الامر, كما يحتوي الإقليم على كميات ضخمة من الثروات المعدنية على رأسها اليورانيوم و النحاس و الليثيوم, بالإضافة إلى البترول واليورانيوم فإن أقاليم دارفور الثلاثة تتمتع بوجود ما يقرب من 40 مليون فدان من الأراضي الخصبة التى لم يستغل منها حتى سوى الثلث, وأكثر من 24 مليون فدان من الغابات والمراعي الطبيعية التي تزخر بكميات هائلة من الصمغ العربى تقدر بحوالي 16% من الإنتاج العالمي للصمغ العربى والذى يشكل أهمية إستراتيجية للصناعات الغذائية والدوائية للولايات المتحدة الأمريكية, إلى جانب كميات كبيرة من معادن النحاس والحديد والرصاص والجرانيت والكروم والصخور النادرة والرسوبيات وأحجار البناء لتشكل منتجاته نسبة 45% من الصادرات السودانية غير النفطية.
إن الوجود الامريكي الاسرائيلي في منطقة القرن أفريقي ليس هدفاً امريكياً اسرائيليا فقط, بل هو تعبير عن مصالح أميركية وغربية وإسرائيلية متشابكة تشابكا عضويا, ولذلك تمارس امريكا و إسرائيل و وكلائها الجدد سياسة اللعبة المزدوجة بإقامة علاقات تعاون مع الأنظمة الحاكمة ومع الحركات المعارضة وهذا ما يحدث في ملف السودان حاليآ فجميع المنابر التي شهدنها لحل ازمة ملف الحرب في السودان من قبل الامركان كان يتم فيها تطبيق نفس المنهجية و هي سياسة اللعبة المزدوجة، لتضمن امريكا لنفسها المرونة في حالة تغير وتبدل المواقف.
أن السودان يستطيع أن ينهض و يتطور إقتصاديا وتنموياً و أن يلعب دوراً محورياً في اعادة الاستقرار الي المنطقة الافريقية و الاقليمية ككل في حالة تحديه للظروف الحالية للحرب بالعمل المشترك مع عمقه في الشمال الافريقي دولة مصر و إتجاهها لاقامة علاقات وثيقة مع دول محيطه الإقليمى تحت مظلة و حملة منظمة وفقا لاستراتيجيات معدة و بناءاً على معلومات مؤكدة تعمل على ترسيخ العلاقات بين السودان و مصر ودول جوارهما الإقليمى,بغرض الإستفادة من هذه العلاقات فى زيادة مقدرات الدولتين معا بخلق نموزج جديد مبني علي المصالح المشتركة بين البلدين ينصب علي المزيد من القوة والثراء الإقتصادى لهما ,علي أن يتم التقيد بالخطط الإستراتيجية التي يتم اعدادها لهذا التحرك وفقا لمبدأ المصالح المتبادلة مع الوضع في الحسبان استجابة هذه الخطط للمتغيرات على المستوى الإقليمى والدولى من أجل إدخال التعديلات اللازمة على الخطط المعدة من أجل إعطاء قوة دافعة لهذه التحركات ,مع الإنتباه للمعوقات والحواجز التى يمكن أن تفرض من قبل الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل من أجل الحد من هذه الحركة وكيفية التعامل معها بشكل من المرونة والحكمة حتى لا تؤثر فى إبطاء قوة الدفع السودانية المصرية فى بناء علاقات راسخة مع دول المحيط الإقليمى للسودان.

اترك رد

error: Content is protected !!