مكي المغربي
لبيت الدعوة متحدثا في مركز موشي ديان – جامعة تل أبيب، ومؤسسة كونارد شتيفتونغ الألمانية، وكنت جنبا إلى جنب -عبر تطبيق زووم- مع شخصيتين مهمتين للغاية، السفير هايم كورين وهو دبلوماسي طويل الخدمة والتجربة وحاليا من المفكرين والباحثين المرموقين هناك، و غال لوسكي وهي ناشطة عمل إنساني ذائعة الشهرة وقد فرضت وجودها بمبادراتها على أرض الواقع، فهي تقوم بدور إنساني حقيقي في سوريا ولديها برامج تدريب لمتطوعي الإنقاذ من تحت الأنقاض وغيره من البرامج الناجحة جدا وقد تقبل جهودها مقدار كبير من المواطنين وأكدوا صدقية وجدية عملها، وفي وسط التسعينات كانت غال في رواندا في برامج تجميع الأسر التي مزقتها الحرب الأهلية وهو برنامج أعاد الاستقرار إلى مئات الأسر التي هرب أفرادها وأصيب بعضهم بلوثات عقلية ونفسية تجاه المجازر الوحشية التي حدثت هناك.
حلقة الحوار التي أوصلت لي دعوتها الأستاذة سارا عويضة، من القدس، كانت عن السودان، وأجبت بلا تردد بالمشاركة لأنني أصلا كنت قد جهزت بعض الرسائل لإسرائيل حول دورها في الأزمة و أود كتابتها.
فيما يلي أحداث السودان قلت إنني أعتقد أن الدور الإقليمي في التآمر ضد الجيش والسودان بات واضحا، ولم تعد هنالك مغالطة البتة أن حلفاء الدعم السريع من الدول (الصديقة!) كانوا جزئا مما حدث.
نعم، صحيح ربما يكون هنالك عبث في التنفيذ السوداني على يد قيادة الدعم السريع، في تحريك ساعة الصفر أو إضافة أجزاء للمخطط، لكن لا يمكن أن تقدم هذه المليشيا على هكذا خطوة دون الإئتمار بحلفائها.
إضافتي هنا، أنه لا يمكن للإستخبارات الإسرائيلية المتنفذة في المنطقة والتي تتعاون معها الدول العربية بالذات التي دخلت مؤخرا في (التطبيع الساخن) وليس التطبيع البارد مثل مصر والأردن، لا يعقل ألا يكون هنالك تبادل استخباري معلوماتي حول المخطط اللئيم، إذن إسرائيل تعلم الأمر تماما.
وها هنا إجابتي على السؤال حول أثر ما حدث في السودان على محادثات التطبيع، وأقول – رغم أنني مؤيد لهذه المحادثات ولا أزال – أن ما حدث تأثيره سلبي، ويحتاج إلى تصحيح عاجل جدا، إذ كيف أتصور أن قائد جيش السودان، وجيش السودان يتعرض لهذا الغدر الشنيع، وهنالك من تواطأ بالفعل أو بالإخفاء، ويمر الأمر بسلام.
عفوا، أنا اسلوبي أن أبدأ بالمختلف حوله بوضوح، ثم أضعه جانبا، وأدلف بعدها للمساحات التي تقبل الإتفاق و العمل البناء، وأسلوبي هذا جلب لي علاقات واسعة للغاية ولم يضرني البتة.
المساحات التي يمكن أن نتفاهم فيها مع إسرائيل على رأسها الحوار مع الإعلام هناك لتوضيح صورة ما حدث ويحدث على أرض الواقع، وهذا ما وجدت فيه تفهما ممتازا وسط الحضور والمشاركين.
بالنسبة لنا ما حدث من إخفاق في الملف يجب تصفيته بمراجعة واضحة سودانية داخلية أولا ثم مباحثات حكومية مباشرة مع إسرائيل حوله، ويستمر هذا المسار الذي يخص الحكومة والجيش، أما إعلاميا وسياسيا واقتصاديا يجب أن يستمر المسار كما هو دون إغلاق أبواب الارتباط الإيجابي حسب مصالح السودان، ونبني على ما سبق، فالموسم الزراعي على الأبواب، وكانت المحطة الأخيرة للعلاقات هي الاستفادة من التقدم والتطور الإسرائيلي في مجال الزراعة مثلنا مثل العديد من الدول العربية والإسلامية.
لا بأس، كنا نستفيد من تقانة أمريكا ونحن تحت حصارها وحظرها، كنا في حالة توتر يوما ما مع مصر، والجالية السودانية تنعم بالأمان والدراسة والصحة.
وكنا نتعامل مع كينيا ويوغندا والحركة الشعبية تنطلق من أراضيها، سياسيا أو عسكريا.
لا بد من الفصل بين المصالح المستمرة التي لها أسباب للوجود، وعواصف التقلبات والأخطاء الكارثية.
عموما، أعتقد أن الهزة العنيفة التي تعرض لها السودان قد تكون لها فوائدها، ومن ضمنها أن ملفات العلاقات الخارجية وعلى رأسها العلاقة مع أمريكا واسرائيل، هي ملفات لا يجوز التعامل معاها بكهنوت سياسي ولا شخصي، ولا يوجد مبرر أن يكون هنالك (شخص واحد) حتى ولو كان الرئيس نفسه يحتكر ملفا كاملا، ويتحول إلى مجرد كرت ضغط ونقطة تعزيز تفاوض في صراع مدنيين-عسكريين، يجب أن يكون ملفا مهنيا مؤسسيا من جانب، ومفتوحا للعمل والنقاش المصيري حتى بمشاركة رافضي التطبيع، لأن بعض مخاوفهم تأكد أنها حقيقية، ليس لأن فكرة التطبيع ذاتها سيئة ولكن لأن “الممارسة غير آمنة”!
بخصوص التعاون الطبي والعلاجي ذي الطبيعة الإنسانية
أنا شخصيا، أعتقد أن المريض السوداني هو صاحب الحق الأول في قبول الدواء أو رفضه، وهذا ما حدث في العديد من الدول الإسلامية والعربية. ولو كنت صانع القرار وهنالك أدوية منقذة للحياة من منظمة إسرائيلية عالمية وغير حكومية مثل (المساعدات الطبية الطائرة) التي ترأسها غال لوسكي لقبلتها فورا ودون تردد، لا سيما وأن قانون مقاطعة إسرائيل تم الغاؤه وهذا الارتباط قانوني وشرعي.
أيهما أفضل؟ المنظمة الإسرائيلية التي تأتي بجرعات لمريض سوداني بين الحياة والموت، أم منظمة أوربية ودعم عربي لمشروع دستور وهمي قال عنه بعض أعضاء لجنة تسيير المحامين حينها أن جاء مستوردا بالكامل، ثم أدى هذا الدعم العربي بكل أسف، إلى تصلب فصائل سياسية وتحالفها مع مليشيا ضد الجيش، إلى أن أنتهى الأمر بحرب طاحنة، اختبئوا بعدها و (طبقوا) جوازاتهم وهربوا بينما غال لوسكي يمكنها القدوم وتوفير الدواء.
أنا لست متناقضا، في هذا الموضوع، طرحت سلبياته وايجابياته بشفافية، الواقع هو المتناقض ودورنا هو تفكيك هذه التعقيدات وليس زيادتها.
منهجي الذي أراه هو العلاج لموضوع العلاقة مع أمريكا واسرائيل كما هو لم يتغير بل تأكد، التعامل المؤسسي المباشر دون وسطاء خارجيين، ودون إخفاء و “تلبيد” للملفات وتحويلها لمكاسب سياسية شخصية، وتفهمون ما اقول وما رددته كثيرا.