الرواية الأولى

نروي لتعرف

آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

حكاياتي مع بيت البرامج (1)

البدايات… حين ولدت الفكرة وسط ضباب التقنية

د. محمد عبدالرحيم يسن




عندما أعود بالذاكرة إلى أوائل تسعينات القرن الماضي، لحظة تشكل فكرة بيت البرامج، أجد أنها ولدت وسط حالة عامة من الحيرة التقنية التي كانت تخيم على المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء. حيرة لم تكن ناتجة عن نقص الإمكانيات، بل عن تشوش في الرؤية وغياب نموذج واضح للأتمتة أو التحول الرقمي بمصطلحات اليوم.
في تلك الفترة، كانت المؤسسات الكبيرة — من مصارف وشركات ووزارات — قد استثمرت في الأجهزة والشبكات والمعدات، وظنت أنها بذلك وضعت أقدامها على طريق التقنية.
لكن حين جاء السؤال الجوهري: بأي برمجيات ستعمل كل هذه البنى؟ وجدت نفسها في مأزق حقيقي.
كانت أسباب الحيرة واضحة ومتشابكة:
المؤسسات كانت تريد “نظاما”، لكنها لا تعرف أي نظام ولا كيف يلبي احتياجاتها. لم تكن هناك مواصفات تحدد ما الذي يجب أن تشتريه المؤسسات أو كيف تختبر جودة البرامج.
الاعتماد على الخارج: الأنظمة الأجنبية باهظة الثمن، ومعظمها لا يناسب البيئة المحلية، ومع ذلك كانت تُطرح باعتبارها الحل الوحيد.
ضعف السوق المحلي: الشركات البرمجية الوطنية كانت ناشئة، مجتهدة، لكنها بلا نموذج أعمال واضح، وتعمل في سوق لا يعرف بالضبط ما يريده.
تباين التوقعات: المؤسسات تتوقع “حلا جاهزا” والشركات المحلية تتوقع “تفويضا للتطوير”، وبين الطرفين ضاع الكثير من الجهد دون نتائج مستقرة.
وهكذا أصبح المشهد مختلطًا:
أجهزة متوفرة…
كفاءات حاضرة رغم قلتها ولكنها حاضرة…
البرامج — وهي القلب الذي ينفخ الحياة في كل ذلك — كانت غائبة أو مشتتة بين عروض خارجية لا تناسب الواقع، ومحاولات محلية لم تكتمل.
في هذا المناخ بدأ السؤال الكبير، ما الذي ينقص المؤسسات؟ هل هو مزيد من الأجهزة؟ بالتأكيد لا.
هل هي الشبكات؟ كانت موجودة بدرجات معقولة.
هل المشكلة في الوعي؟ ربما… لكنه وحده لا يحل معضلة البرمجيات.
كان المفقود الحقيقي هو البيت…
كيان يقود مشاريع البرمجيات، يصممها من الداخل، ويقدم للمؤسسات ما تحتاجه فعلا، لا ما يعرض عليها.
من هنا ولدت فكرة بيت البرامج… فكرة سبقت استعداد السوق، وربما بدت مغامرة في وقتها، لكنها مع الأيام أصبحت ضرورة ثم واقعا يحتضن العقول والكفاءات التي صنعت تجربة جديرة بأن تروى.
هذه الحكايات ليست نصا تقنيا، بل جزءا من ذاكرة تجربة…
تجربة شركة اختارت أن تكون جزءا من الحل لا جزءا من الانتظار.
اليوم، ونحن أمام واقع أصاب فيه الدمار كل شيء، وتبددت فيه بنيات كانت قائمة، في المقابل يشهد العالم قفزات يومية في عالم التكنولوجيا، أسرع مما يمكن للمرء أن يتابع أو يحصر…
أعود بالذاكرة إلى تلك البدايات الشحيحة في الإمكانيات، المتواضعة في الأدوات، فأدرك أن ما تم في “بيت البرامج”، كان نموذجا يستحق أن يروى. نموذج يقول إن الفكرة ممكنة، وإن العمل المهني لا يعرف المستحيل،
في العمود القادم
كيف بدأ التأسيس… وما هي الخطوة الأولى التي رسمت الطريق

اترك رد

error: Content is protected !!