أسماء في بيت البرامج

في ختام الرحلة التي امتدت لسنوات بين دروب التقنية وبناء النظم، لا يمكن أن تروى حكاية بيت البرامج دون الوقوف عند الذين كانوا أعمدة هذا الصرح، والذين شكلوا—بعلمهم ومواقفهم ونبلهم—روح المشروع وذاكرته الحية. فقد كان الطريق طويلا، مليئا بالصعوبات والتحديات، ولكنها كانت تسهل وتذلل بوحود أسماء ورموز ترك كل واحد منهم بصمة و أثر لا يمحى في مسيرة التحول الرقمي داخل السودان.
وكانت البداية مع أولئك الذين عرفتنا عليهم المصارف السودانية، مدراء الحاسب الآلي الذين فتحوا لنا الأبواب بثقة واحترام، وكانوا شركاء في الفكرة قبل التطبيق ، وكان الشاطر و عبدالله خوجلي، في بنك أم درمان الوطني، وجعفر في بنك فيصل، وإبراهيم ومن بعده أمين اوشي في بنك السودان. جمعوا بين المعرفة والخبرة، وتحمل المسئولية والحرص على نجاح أي مشروع يضيف للمؤسسة قيمة حقيقية، وصاروا جزءا من تاريخ بيت البرامج.
ومن أبرز الأسماء التي حملت بيت البرامج إلى خارج السودان وكان أحد مفاتيح العبور نحو العالمية نائب مدير بنك سبأ نجم الدين العجب الرجل الذي كان له القدح المعلى في نجاح مشروع بنك سبأ باليمن ، فقد كان مثالا للثقة والدقة والمهنية.
اما كابينة القيادة، فقد كانت حافلة بالخبرات العلمية والمهنية التي شكلت الصورة الرائعة للعمل الجماعي الجاد فكان هنالك الأخ والصديق المهندس عبدالرحمن مصطفى، صاحب العلم والمعرفة الذي لا يخشى في الحق لومة لائم، ومن ثم رجل الاستراتيجية والبصيرة وربان التغيير،المرحوم المهندس عبدالله محمد أحمد، الذي قاد مشروعات كبرى بروح الهدوء والحسم، تاركا إرثا مهنيا لا يزال حاضرا في الذاكرة، نسأل الله أن يتغمده برحمته الواسعة. إلى جانبه كان المهندس محمد عبدالماجد ، بعمق تفكيره وإبداعه اللامتناهي، الذي لا يتوقف عن توليد الأفكار وصقل الحلول، ومفجر الطاقات، المهندس مبارك محمد أحمدالذي كان يؤمن بأن كل فريق قادر على أن يذهب أبعد مما يظنه عن نفسه. أما البروفيسور عوض حاج علي، فقد كان الظل الذي نستظل به، والعقل الذي نعود إليه حين تضيق الخيارات. كان حضوره في بيت البرامج أشبه ببوصلة ترد المسار إلى صوابه.
هؤلاء كانوا كابينة القيادة، يقفون خلف الخطط، ويدققون في التفاصيل، ويراقبون الأداء بعلم ومهنية لا يتكرر مثلها كثيرا. كانوا خير سند للإدارة التنفيذية، وخير شاهد على أن النجاح لا يصنع بالأنظمة وحدها، بل بالعقول والقلوب التي تؤمن بفكرة وتدفعها إلى الأمام.
ذهب بيت البرامج، وبقيت بصماته، وبقي رجاله الذين صنعوه بمثابة رموز للمهنية والإخلاص، وأسماء يضاء بها تاريخ التقنية في السودان. ومن حسن الوفاء أن نختم الحكاية بهم، فهم الوجه الأخير والأجمل من قصة تستحق أن تروى طويلا، وأن تنقل للأجيال القادمة بوصفها تجربة صنعت الفرق، وأرست قواعد مدرسة كاملة في العمل الرقمي الرصين.
وما نختم به ليس نهاية الحكاية بل بداية عهد نتركه للأجيال القادمة ، فالمستقبل لا يمنح لأحد إنما يكتبه الذين يؤمنون بأن الغد يصنعه الإصرار ويشيده الأيدي التي لا تتخلى عن حلمها مهما أشتد الطريق.
٩ ديسمبر ٢٠٢٥م



