الرواية الأولى

نروي لتعرف

نحو الغد / عبدالله حميدة

حرب يونيو ..”نكسة” ام “هزيمة” ام بين بين ؟

عبدالله حميدة

وافق الخميس – الخامس من يونيو هذا العام – الذكري الثامنة والخمسين للحرب التي نشبت بين اسرائيل وثلاث دول عربية (هي مصر وسوريا والاردن) من الخامس الي العاشر من يونيو ١٩٦٧(تسمًيها المصادر الإسرائيلية : حرب الأيام الستة).

اُطلقت اوصاف عديدة علي هذه الحرب من قِبل المفكرين والسياسيين والكتاب والصحفيين والنقاد والفنانين العرب وفقا لتباين مواقفهم الفكرية والسياسية منها وتبعا للانفعال الفني والأدبي الذي اجًجته في جوانحهم . غير ان كلمتين اثنتين غلبتا في هذا الصدد وظلتا متداولتين إلي يومنا هذا وهما :”النكسة و”الهزيمة”.
النكسة .. تعريفها وتداعياتها :

يقول التعريف القاموسي للنكسة إنها اسم مرًة من (نكس) بمعني معاودة المرض بعد البُرء او هي تعبير عن الضعف يستخدم بشكل شائع لوصف حدثٍ سلبٍ ، خاصة في السياقات العسكرية والسياسية. (المرجع: قاموس “المنجد في اللغة” ومعجم ” أساس البلاغة” للزمخشري.) ولعل أحدث استخدام لهذا اللفظ في السياسة العربية المعاصرة – خلال الأعوام الخمسين الماضية – ما جاء علي لسان الرئيس جمال عبد الناصر في خطاب تنحًِيه الشهير مساء الجمعة ٩يونيو ١٩٦٧، حيث وردت كلمة “نكسة” ثلاث مرات في ذلك الخطاب . (المصدر: الجريدة الرسمية المصرية ، العدد رقم ٦٤، الصادر في ١١ يونيو ١٩٦٧).

ثم توالت استخدامات هذا اللفظ في كتابات من ذكرنا آنفا علي امتداد الوطن العربي وفي بعض كتابات عربية في جواره الثقافي المسلم. وهي كتابات يتعذر حصرها في مقال مما يستدعي ان نمثل لها (نوعيا) بالجزئية البيبليوغرافيةَ التالية(١) :

▪ نزار قباني : هوامش علي دفتر النكسة(قصيدة)، مجلة ” الآداب ” اللبنانية، العدد ٧، التاريخ ١/٧/١٩٦٧ ، ص ٢.

▪ فؤاد الشايب : نظرات حول النكسة ، مجلة “المعرفة” السورية ، العدد ٦٨، التاريخ ١/٨/١٩٦٧ ،ص ١٧٣.

▪ محمد السولامي :الأدب المغربي وشعر ما بعد النكسة ، مجلة ” آفاق” المغربية ،العدد٢ ، التاريخ ١/٤/١٩٦٩ ، ص ٤٨.

▪ عبد الله زكريا الانصاري : يوم النكسة ، مجلة “البيان” الكويتية ، العدد ٥١ ، التاريخ ١/٦/١٩٧٠ ، ص ٣.

▪ محمد مبيضين : الخطاب التاريخي العربي المعاصر ..تاريخية النكسة.. الوعي والوعي المستعاد ، المجلة “الثقافية” الأٌردنية ، العدد ٧١ ،التاريخ ١/١/٢٠٠٨، ص ١١٠.

▪ شهريار نيازي: النكسة الحزيرانية علي المسرح السوري ، مجلة “إضاءات نقدية” الإيرانية ، العدد ٧، التاريخ ١/٧/٢٠١٢ ، ص ١٤٢.

▪ يمني العيد : منعطفات الرواية العربية منذ النكسة، مجلة “الفيصل” السعودية، العدد ٤٩٠ ، التاريخ ١/٧/٢٠١٧.

من ملامح هذا السجل البيبليوغرافي النوعي نلاحظ ان كلمة “نكسة” ظلت حيًة علي مدي نصف قرن بل وامتد اثرها إلي إحدي المجلات العربية الصادرة في إيران مما يشير إلي ان دلالاتها الوجدانية قد تجاوزت حدود عربية الوطن العربي الي عربية الناطقين بغيرها ، فتامل !
الهزيمة : شيوع لا شائعة.

الكلمة الثانية في وصف تلك الحرب هي : لفظ “الهزيمة” ومعناها القاموسي الشائع: الانهزام في القتال او الفشل في تحقيق هدف ما – وهو الوصف الأكثر شيوعا – بالمقارنة مع لفظ “النكسة” – في كتابات المفكرين والسياسيين والكُتًاب والنقاد العرب من المحيط إلي الخليج .

ومن الكتابات التي تبنًت هذا اللفظ ، ما تمثله الجزئية البيبليوغرافية النوعية التالية:(٢)

▪ احمد السقاف : بعد عشرين شهرا من هزيمة حزيران .. ماذا أعددنا ؟ ، مجلة “العربي” الكويتية ، العدد ١٢٣ ،التاريخ ١/٢/١٩٦٩.

▪ محمد دكروب : اثار هزيمة حزيران في القصة العربية القصيرة ، مجلة “الآداب ” اللبنانية ، العدد ١٠ ، التاريخ ١/١٠/١٩٦٩ ، ص ٨.

▪ بسام طيبي : آراء قسطنطين زريق في هزيمة ٥حزيران ، مجلة “مواقف” اللبنانية ، العدد ٨ ، التاريخ ١/٤/١٩٧٠ ص ١٦٠.

▪ جمال الأتاسي : دولة الاتحاد واثر هزيمة حزيران في مفهوم الوحدة ، مجلة “المعرفة” السورية ، العدد ١٢٩ ، التاريخ ١/١١/١٩٧٢.

▪ فتحي رضوان : هزيمة ٥ يونيو وملحقاتها ، مجلة ” الهلال” المصرية ، العدد ٩ ، التاريخ ١/٩/ ١٩٨٦.
ص ٣٧.

▪ سمير قطامي : هزيمة حزيران واثرها في الرواية الأردنية ، مجلة “فصول” المصرية ، العدد ٤ ، التاريخ ١/١٠/١٩٩٧ ص ١٥٥.
بين “النكسة” و”الهزيمة”:
دارت جدالات ومساجلات عديدة بين من تبنًي لفظ “النكسة” الذي اعتبر ان ما حدث كان بسبب مؤامرة خارجية وخيانة داخلية رجعية، وبعض من تبني لفظ “الهزيمة” الذي حمًل نظام عبد الناصر المسؤولية عنها. وبلغ الامر – في بعض الأحيان – حد المهاترة والتراشق بجارح الكلام بين الفريقين . وهي مساجلات وجدالات موثقة في صحف ومجلات
ما بعد يونيو ١٩٦٧. لكن هناك موقفا عقلانيا تحليليا طرحه بعض المفكرين لفك الاشتباك بين الفريقين وهو ما اسميته : (البين بين ).

من بين من تبني هذا الموقف العقلاني ، المفكر المصري الحصيف د. فؤاد زكريا في مقال نشرته له مجلة “الهلال” المصرية العريقة في عددها الصادر بتاريخ ١ اغسطس ١٩٨٦، والذي يمكن تلخيص مضمونه في النقاط الثلاث التالية :

•ان الفريقين يصرخان كل في واديه الخاص ويتصور كلاهما انه يرد علي الآخر ويحاوره .

٠ان احدهما يبكي علي الانهيار الشامل الذي ادي إلي الهزيمة والآخر الذي يقفز بخفة فوق كل ما حدث ثم يسمًون هذا مناقشة او حوارا.

•ان الموقف الصحيح للخروج من مازق تناقض الفريقين هو ان يكون الشعب الحاكم الحقيقي للدولة والمخوًل له تحديد الوصف المناسب لما حدث.

ويفهم من ملخص المضمون ان د. فؤاد زكريا يدعو إلي التراضي علي قبول
ان يكون الشعب هو صاحب الحق في تقرير مصائر الوطن ومن ثم تحمل مسؤولية ما يقع من احداث ونوازل ، وهو الذي يحدد صفتها : اهي نكسة ام هزيمة ؟
بذلك نكون قد اجبنا علي السؤال الذي تصدر هذا المقال.


aha1975@live.com

اترك رد

error: Content is protected !!