حرب الكرامة بين (تقدُّم) و (صمود) مليشيا الدعم السريع و (تأسيس) الدولة المتوهمة

منذ اندلاع الحرب العبثية التي فُرضت على السودان في أبريل 2023، ظلت مليشيا الدعم السريع تسعى لتثبيت وجودها على الأرض، مستندة إلى أدوات البطش، والانتهاكات، والدعم الخارجي، ومتواطئين سياسيين ومدنيين باعوا ضمائرهم في مزاد العمالة والارتزاق دون حياء او خجل. ولكن سرعان ما تحولت تلك المليشيا من قوة متقدمة في بدايات الصراع إلى كيان محاصر، متهالك و هارب، و محصور في جيوب متفرقة في دارفور وكردفان، بعد أن واجهت احترافية وبسالة نادرة من القوات المسلحة السودانية التي سطّرت للتأريخ ملاحم للكرامة و البسالة و الفداء بدماء الشهداء وجهود الأبطال و تضحياتهم الغالية.
وفي موازاة هذا الانهيار العسكري الميداني، برزت على الساحة السياسية واجهتان مدنيتان انحازتا بشكل مباشر أو غير مباشر للدعم السريع، فشكلتا غطاءاً سياسياً موازياً للمشروع التخريبي، دون أن تنبس ببنت شفة عن المجازر والجرائم والانتهاكات التي اقترفها ذلك التمرد، مكتفيتين بإدانة الجيش السوداني في كل موضع و مهاجمته ، بصرف النظر عن الحقائق على الأرض.
لقد تحولت مجموعة “تقدُّم” المعروفة لاحقاً ب “صمود” ، و التي يتزعمها عبد الله حمدوك وتضم في صفوفها أسماء مثل ياسر عرمان وخالد عمر يوسف وجعفر حسن وآخرين من واجهة سياسية إلي غطاءٍ ناعم للتمرد و إلى وجهٍ قبيحٍ ينوب عن الفاعلين الأساسيين، إقليميين كانوا او دوليين ، فبدت المجموعة منذ البداية متماهية مع أجندة الدعم السريع. ثم ما لبثت أن غيرت جلدها لتصبح “صمود” في محاولة لخلق واجهة جديدة تخفي من خلالها تنسيقها مع المليشيا من جهة، واستجلاب الرعاية الدولية من جهة أخرى.
إن ” تقدُّم أو صمود”، تمادت في مواقفها الغامضة، المترددة، والرمادية، لكنها في حقيقة الأمر كانت دائماً أقرب للانحياز للدعم السريع، سواء بالصمت عن جرائمه أو بإدانة الجيش الوطني حين يدافع عن مؤسسات الدولة وعن المدنيين بمحاولتها تحجيمه و تقييد حركته تجاه دحر المليشيا و هزمها بدواعي انسانية زائفة و متعددة. والأدهى من ذلك أنها فتحت أبوابها لمبادرات إقليمية ودولية، بعضها يحمل أجندات تتقاطع بشكل مفضوح مع مشروع تقسيم السودان وإضعاف مؤسساته.
أما المجموعة الثانية، المعروفة بـ”تأسيس” ذلك المولود الميت لحملٍ زائف و متوهم ، فهي المشروع السياسي الأكثر سفورًا في انحيازه التام للمليشيا، حيث دُشنت في نيروبي برعاية مباشرة من قيادة الدعم السريع، و ضمت إليها واحتضنت شخصيات مثل فضل الله برمة ناصر، و عبد العزيز الحلو، والهادي إدريس، والطاهر حجر وآخرين، وأعلنت دون مواربة دعمها للمليشيا وتمجيدها و تأييدها لكل ما يصدر عنها.
إن مجموعة “تأسيس” تجاوزت الحياد المزيّف إلى التبني الكامل لرؤية الدعم السريع، بل وذهبت إلى حد الحديث عن تشكيل حكومة بديلة تدير مناطق سيطرة التمرد، في سلوك لا يعبّر عن مشروع سياسي بل عن مغامرة انفصالية هشة، تأمل أن تستند على اعتراف خارجي هش بدلاً عن شرعية شعبية لا تملك منها شيئًا. لقد اعلنت هذه المجموعة عن وجهها الكالح كرافعة سياسية لمليشيا الدعم السريع لا يعيبها من نهب او قتل او سحل او اغتصب او فقد كل معاني الاخلاق و معايير القيم النبيلة.
لكن تظل الحقيقة الماثلة و البينة و التي تؤكد أن ما بين واجهتي “تقدّم /صمود” و”تأسيس”، تقف مليشيا الدعم السريع عارية من كل غطاء شعبي أو سياسي حقيقي، خاصة بعد خوارها و هزيمتها و عدم قدرتها على احداث اي (تقدم) او (صمود) امام استراتيجيات و تكتيكات الجيش السوداني و قواته الساندة و المعاونة ناهيك عن فشلها في (تأسيس) اي معرفة او مهارة بالقتال المحترف و المدروس . إذ أن ما جمع تلك القوى(قوى الشر و العمالة و الارتزاق) هو وهم السلطة و الرهان على السند الخارجي ، لا الإيمان بوطن ولا برؤية ولا بمشروع وطني. ولعل الهزائم الميدانية التي تلقتها المليشيا، و طردها من الخرطوم ومدن الوسط والشرق والشمال كافة، بل وحتى انحسارها في بعض مناطق دارفور، تمثل أبرز دليل على أن الأرض تلفظ هذا المشروع و تؤكد انهيار المشروع المزدوج أمام وعي شعب وجيش عظيمين.
لقد أثبت الشعب السوداني في كل محطات التاريخ، أنه أوعى من أن تنطلي عليه الشعارات الزائفة، وأقوى من أن تقوده نخب منفصلة عن الواقع، مأزومة في ضميرها، ومشروخة في وطنيتها. و اليوم، يقف الجيش الوطني عزيزاً شامخًا، يقف خلفه شعبٌ واعٍ، مدرك أن الكرامة والسيادة لا تبنى على أجساد الشهداء فحسب، بل على الوعي و المواقف الحرة، و على الصمود و الوطنية مع الوضوح الأخلاقي والسياسي.
إن “حرب الكرامة” التي يخوضها السودان اليوم ليست مجرد معركة عسكرية ضد مليشيا، بل هي صراع وجودي ضد مشروع تفكيك الدولة وتزييف الإرادة الوطنية. وبينما تتهاوى أضغاث أحلام “صمود” و “تأسيس”، يظل صوت الشعب هو الأعلى، وإرادته هي الأصدق، وجيشه هو الحارس الحقيقي للكرامة والسيادة.
و حتماً ستسقط كل المشاريع الوهمية، وسينهار كل من ظن أنه يمكن أن يبني سلطة على أنقاض وطن.
الثلاثاء 1 يوليو 2025م