
الواثق كمير
تورونتو، 15 ديسمبر 2025
مقدمة
على مدى العامين الماضيين، أخفقت كل محاولات الوساطة الإقليمية والدوليةلحل الأزمة السودانية. تكررت الدعوات للاجتماعات، وأُطلقت المبادرات، لكنالخلافات حول الأطراف المشاركة وغياب التنسيق جعلت أي اجتماع مرشحاً للفشل قبل انعقاده.
هكذا، مرة أخرى، تعثرت محاولة جديدة لجمع الفرقاء السياسيينالسودانيين، بعدما تم تأجيل الاجتماع الذي دعت إليه الإيقاد والاتحادالأفريقي في جيبوتي بين 16 و18 ديسمبر الجاري، بمؤازرة الأمم المتحدةوالاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.
ويبرز من هذا السياق أن الإيقاد والاتحاد الأفريقي، بعد حضور ممثليهماجلسات منبر جدة في أكتوبر 2023 (موسى فكي، رئيس مفوضية الاتحادالأفريقي حينذاك، وورقنه قبيو، السكرتير التنفيذي للإيقاد). المنظمتان لم“ينزعا الملف” من المنبر فحسب، بل تجاوزا المرجعية من تفاوض عسكرييركز على وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، لا علاقة له بالمسار السياسيبحكم نص البيان، إلى مرجعية جديدة: تفاوض بين البرهان وحميدتي تنظمهالإيقاد، إلى جانب حوار سياسي شامل يُعد له وينظمه الاتحاد الأفريقي.
فما إن أعلنت الوساطة عن انهيار المفاوضات في 4 ديسمبر، حتى بادرتالإيقاد بعقد قمة استثنائية في 9 ديسمبر في جيبوتي، مع التركيز على لقاءالبرهان وحميدتي، الذي لم يتحقق طوال عامين، كرمز لموضع السلطةالمباشر على وقف الحرب.
أسباب الفشل
ويعكس استمرار أزمة العملية السياسية الخلاف المستمر حول من يشاركومن يُستبعد من هذه العملية، وهو السبب الذي عرقل معظم الاجتماعاتالسابقة خلال العامين الماضيين. ففي الدعوات الأولى واجه الاتحاد الأفريقيوالإيقاد صعوبة في حسم مسألة مشاركة الإسلاميين ومعايير تعريفهم، بينما في الاجتماعات الأحدث أصبح الخلاف يتمحور حول مشاركة تحالف“تأسيس” أو قوات الدعم السريع، ما أدى إلى تكرار الإرجاء أو الانهيار قبلانعقاد الاجتماعات.
وتتبع سلسلة الدعوات والاجتماعات البارزة للاتحاد الأفريقي والإيقاد للفرقاءالسياسيين السودانيين يظهر حجم المحاولات غير المثمرة:
يوليو 2023: أول اجتماعات مع القوى السياسية للتمهيد لمسار الاتحادالأفريقي.
1. سبتمبر 2023: اجتماعات توازت مع إعلان اللجنة الرباعية (12 سبتمبر).
2. نوفمبر 2023 – فبراير 2024: لقاءات دورية مع القوى المدنية الرئيسية، تعثرت بسبب عدم الاتفاق على قائمة المشاركين.
3-4 أغسطس – سبتمبر 2024: محاولة جمع الأطراف مجدداً، التركيز علىالخلاف حول مشاركة الإسلاميين.
5. يونيو 2025: دعوة موسعة للقوى السياسية، فشل بسبب رفض مشاركةتحالف “تأسيس”.
6. 16–18 ديسمبر 2025: آخر اجتماع كان مقرراً في جيبوتي، تأجلبسبب نفس الخلاف حول المشاركين.
على هذا الخلفية، لم تعد الأزمة سياسية داخلية فقط، بل امتدت لتشملتضارب مسارات الوساطة الإقليمية والدولية. فقد انخرطت اللجنة الرباعية(الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) في الملف السوداني بإعلانهاالصادر في 12 سبتمبر 2023، مؤكدة على وقف الحرب وحماية المدنيين، بينما ركز الاتحاد الأفريقي والإيقاد على إطلاق عملية سياسية شاملة. هذاالتباين في الأولويات، وغياب آلية فعالة للتنسيق بين المسارين، خلق حالة منالإرباك لدى الوسطاء والقوى السودانية على حد سواء.
تضاف إلى ذلك أزمة مقبولية الإيقاد لدى حكومة السودان، خصوصاً أنمعظم الدول المنضوية في المنظمة، تُنظر إليها باعتبارها غير محايدة أومعادية، مع انسحاب إريتريا – الدولة الوحيدة التي كانت تمثل استثناءنسبياً – من عضوية الإيقاد في 12 ديسمبر الجاري، ما أضعف قدرةالمنظمة على لعب دور مقبول وفعّال. في ظل هذه الظروف، يصبح منالصعب الحديث عن وساطة فاعلة، حتى لو استمر عقد الاجتماعات أوإطلاق المبادرات.
تاريخياً، بالرغم من الخلافات السياسية وتضارب المصالح بين الدولالأعضاء في المُنظمة، يكاد الاستثناء الوحيد الكبير في سجل الإيقاد فيالوساطة التي أفضت إلى اتفاقية السلام الشامل (CPA) عام 2005، وهوبالطبع نجاحٌ لم يكن نتاجاً لقوة المنظمة بقدر ما كان ثمرة ظروف استثنائية: وجود دولة عضو تحظى بقبول طرفي النزاع آنذاك، هي كينيا، ووسيط يتمتعبثقل سياسي وقدرة على الحسم، هو الجنرال لازارو سامبويو، إضافة إلىدعم دولي مباشر وحاسم من الترويكا (الولايات المتحدة، بريطانيا، النرويج). أما اليوم، في ظل غياب هذه العوامل، يبدو الفشل المتكرر للإيقاد والاتحادالأفريقي أقرب إلى القاعدة منه إلى الاستثناء.
تحديات الوساطة
ويكشف تتبع سلسلة الدعوات والاجتماعات الست البارزة – من يوليو 2023 حتى ديسمبر 2025 – عن تطور أسباب التعثر: من خلاف حول مشاركةالإسلاميين في البداية، إلى جدل حول تمثيل القوى المدنية، ثم صدام حولمشاركة التحالفات العسكرية الحالية مثل الدعم السريع وتحالف “تأسيس”. هذا التطور يعكس ليس فقط غياب توافق سوداني–سوداني، بل أيضاً غيابتوافق بين الوسطاء الإقليميين والدوليين أنفسهم، مما جعل أي اجتماع مهدداً بالفشل قبل انعقاده.
إن استمرار تعدد المنصات دون تنسيق فعّال، وتضارب الأولويات بينالاتحاد الأفريقي والإيقاد من جهة، ولجنة الرباعية من جهة أخرى، يجعل أيعملية سياسية مرشحة للتعثر قبل أن تبدأ. ومن دون: 1) معايير واضحةللمشاركة، 2) وساطة مقبولة من كل الأطراف، و3) قدرة على الانتقال منالمشاورات إلى القرار، ستظل الاجتماعات تتوالى والفشل يتكرر، بينماتفرض الحرب على الأرض إيقاعها الخاص بعيداً عن قاعات التفاوض.
خلاصة
ما تسعى إليه الإيقاد والاتحاد الأفريقي اليوم ليس مجرد وساطة، بلاستعادة ملف فقداه لصالح مسار جدة، لكنهما يواجهان عوامل بنيوية تقيدقدرتهما على النجاح. وفي ظل غياب التوافق السوداني–السوداني وخلافالفرقاء السياسيين حول قضايا رئيسة، وضعف الوسيط الإقليمي، وتضاربالمبادرات بين المسارات الإقليمية والدولية، يبدو أن أي عملية سياسية“شاملة” ستبقى معلقة بلا أفق واضح، في حين تستمر الحرب في فرضمعطيات جديدة تزيد من تعقيد أي مسار تفاوضي مستقبلي.



