أصدر مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة C4ADS وهو مركز دراسات مقره بالولايات المتحدة تقريراً بعنوان (حاميها حراميها) مع عنوان جانبي يقول (كيف تؤدي السيطرة العسكرية على الاقتصاد الى عرقلة الديمقراطية في السودان).
يقول المركز المصدِر للتقرير إنه مؤسسة تكرس أعمالها في التحليل القائم على البيانات والتقارير والأدلة في جميع أنحاء العالم، ويتبع العمق والصرامة في تحليلاته، ويسعى للحصول على المعرفة المحلية، وجمع البيانات الأصلية لإثراء تحاليله، ويستخدم أحدث التقنيات لإدارة البيانات وتحليلها. بكل أسف التقرير الذي أمامنا بالعنوان أعلاه لا ينبئ بشيء من هذا!
جاء التقرير في مجمله سياسياً بامتياز، ويتبنى وجهة نظر واحدة، هي وجهة نظر الأحزاب والشخصيات التي تكن العداء للجيش السوداني ومؤسساته بصورة سافرة. ولعل أول الدلائل على ذلك عنوان التقرير نفسه، الذي جاء في لغة هتافية منحازة بصورة سافرة، ليقرر في عبارة واحدة، غير محترمة، أن القوات المسلحة السودانية تحمي الفساد، ويصحب العنوان القميء رسم لجنود سودانيين يرفعون علم السودان.
أما من ناحية المهنية والعلمية فقد كان التقرير بعيداً كل البعد عنها، بإيراده لمعلومات خاطئة، وتحليلات منحازة. من ذلك ص (4) حيث أشار الى أن شركات البترول مملوكة للدولة بشكل حصري، وأن رسائل ائتمان مواتية للقوات المسلحة من البنوك التي تسيطر عليها مكنتها من التهرب من ضرائب الاستيراد، ومن بيع السلع بأسعار أقل من أسعار المنافسين المدنيين. هذا غير صحيح، فشركات البترول سواء على مستوى شركات الإنتاج Upper stream أو شركات توزيع الإنتاج Down stream ملكياتها مختلفة، قطاع عام وخاص ومختلط، وطني وأجنبي. وكل الشركات التي تُصدِر سلعاً من السودان ملزمة باستعادة عائدات الصادر، ويتابع هذا بنك السودان المركزي بشفافية.
صفحة (7) من التقرير، وفي اطار الإشادة بأعمال الحكومة الانتقالية الأولى، قال التقرير إنها حققت المطالب الأساسية للشعب السوداني في مجال حقوق الانسان، والعدالة، والمساءلة، وإلغاء عقوبات الارتداد عن الدين، ومنع تشويه الأعضاء التناسلية للنساء، ومساواة سعر الصرف في السوق الأسود مع السعر الرسمي. هل هذه حقاً هي المطالب الأساسية للشعب السوداني؟ معلوم أن الشعب السوداني ثار على حكم البشير بسبب تدهور الأحوال المعيشية وارتفاع سعر الخبز كأسباب أساسية، هذا ما فشل التقرير في تثبيته لأنه منحاز بصورة سافرة لأجندة سياسية.
على الرغم من إقرار التقرير صفحة (11) بحصر 263 شركة خاضعة لسيطرة الدولة حسب بيانات وزارة المالية والاقتصاد الوطني، الا أنه يعمد في التحليل لتناول بيانات 408 شركة، ويقول ان الزيادة في الرقم من معلومات لجنة إزالة التمكين، والتحقيقات المستقلة التي لم يوضح من قام بها ومصادر معلوماته. عليه لا يعتمد على ما ورد من تحليلات في هذا الجزء لأنه منعدم المصدر بنسبة كبيرة.
من المفارقات في التقرير اشارته لبنك أم درمان الوطني في أكثر من موضع بالتقرير (صفحة 17 نموذجاً) الى أنه البنك الأكبر في السودان. وهذه معلومة غير صحيحة. بنك أم درمان الوطني حسب بيانات بنك السودان المركزي هو البنك الثالث حسب رأس المال بقيمة 15.4 مليون دولار، تمثل 6.71% من جملة رؤوس أموال البنوك السودانية، ويأتي قبله بنك النيلين برأسمال 50.3 مليون دولار، وبنك التنمية الصناعية برأسمال 33.3 مليون دولار.
هذه نماذج مما ورد في هذا التقرير المشبوه والمنحاز، ويُنصح بعدم الأخذ بما ورد فيه لعدم صحة معلوماته، وخطل تحليلاته. والله الموفق.