الراحل احمد عطا المنان
حاتم السر سكينجو
في يوم الجمعة الماضي الموافق الثاني والعشرون من شهر ديسمبر الجاري،فاضت الي بارئها روح المغفور له باذن الله تعالى النائب البرلماني والقائد الاتحادي الديمقراطي وأحد أعيان ولاية نهر النيل ورمز من رموز شرق النيل النائب أحمد عطا المنان. وقد وري جثمانه الثري بمقابر السيدة نفيسة بالقاهرة ،وبرحيله فقد الحزب الاتحادي الديمقراطي وفقدت الختمية وفقدت البلاد دعامة قوية من دعاماتها الوطنية.وبرحيله ايضا ترك فراغًا كبيرا لانه كان عمدة في الحنكة السياسية ومرجعًا لحلحلة مشاكل الناس هذا اللون من القيادات الذي أخذ مؤخرا يرحل ويختفي من الحياة السودانية. وكان الفقيد العزيز يمتاز ويتصف بأخلاق كريمة وسجايا جمة وفضائل عظيمة يعرفها كل من عايشه او كان قريبا منه .
لقد كان لي شرف القرب من الفقيد العزيز أحمد عطا المنان في تلك الفترة من حياته النيابية وذلك بحكم عملي في المكتب الخاص لمولانا السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب ومرشد الطريقة ، ووقفت بنفسي وشهدت المهام الوطنية والحزبية الجسام التي كان يكلفه بها مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ورأيت كيف كان ينفذها بكفاءة عالية.ولذلك حاولت جاهدا أن أوفيه من خلال هذه السطور التأبينية ولو جزءً يسيرًا من حقه ، وما أكتبه نابع من معايشات لصيقة لي مع الفقيد بدأت منذ أن كان شرطيًا وامتدت الي ان أصبح نائبا في البرلمان ١٩٨٦م علاوة علي ما يربط بيننا من وشائج القربي وصلة الارحام والدماء. وأول ما لفت نظري في شخصية عمنا الفقيد أحمد عطا المنان اني لاحظت أن لديه شعبية كبيرة ، ودائرة معارفه متعددة ، ومتنوعة ومفتوحة على كل الاطياف بالذات مع قبائل البطاحين بحكم عمله واقامته في شرق النيل ،وكانت شخصيته ذات طبيعة شعبية بامتياز ،يتعامل بسياسة البيت المفتوح من غير أبواب ،يستقبل زواره ويتحدث اليهم بكلام منطقي مقنع وكان يمتلك نفسًا هادئًا محفزا وإيجابيًا بالذات مع أصحاب الحاجات الذين يتوافدون علي داره طلبًا للحصول علي مساعدات مختلفة وذلك قبل ان يدخل قبة البرلمان.كما امتاز الفقيد بالاخلاص في عمله ، يحب العمل بعيدًا عن الاضواء كالجندي المجهول ، لا يسعى الى الشهرة ويخدم أهله ومعارفه وجيرانه ومنطقته بدون مقابل وبلا من ولا أذي لوجه الله تعالى .ومن خصاله أنه كان متدينًا بالفطرة .وصوفيا محبا للقوم الذين لا يشقي بهم جليس ،وختميا لا يشق له غبار ،واتحاديًا ديمقراطيا وسطيا بلا افراط ولا تفريط . وعندما حملته الجماهير باصواتها ممثلا لها في البرلمان عن دائرة شندي الجنوبية الغربية عبر انتخابات حرة ونزيهة كان خير ممثل لها ،كان نشطا لديه طاقات لا يبخل بها لخدمة الناس والمجتمع والحزب، ويجدر بنا أن نستذكر في هذه السطور ما عرف عن الفقيد من خصال الأمانة والشرف والحرص الدؤوب على تشريف العهدة وأداء الأمانة التي حمل تكاليفها بصدق خدمة لمن حملوه أمانة تمثليهم بالبرلمان. فكان من داخل البرلمان صوتًا صادحا بالحق وجاهرا بالنصح واشتهر عطا المنان بمداخلاته واسئلته الجريئة الموجهة للطاقم الحكومي بقوة وبلا مواربة . كان كالطود الأشم لا يتزعزع عن مكانه ولا يتضعضع في موقفه ولا يرضخ للاغراء ولا يخشي التهديد ولا يخضع إلا لضميره ولا يحكم إلا بعقله وكنا نجده دائما يقف موقف الجد والصرامة لا يحابي أحدا في الباطل ولا يتردد في الجهر بالحقيقة كلما حاول أحد من المدعين أن يزيف الحقائق الواضحة والراسخة. ولن نكون قد أوفينا الفقيد حقه إذا لم نذكر أنه من القادة العصاميين الذين كونوا أنفسهم بالاعتماد على مجهودهم الخاص ومطالعتهم ودراساتهم الفردية. فهو خريج مدرسة الحياة وأنعم بها من مدرسة خرجت أمثال هذا النائب البرلماني الذي كان شعلة من النشاط وجنديًا مخلصًا في خدمة الناس والمجتمع أينما حل وتقف شاهدًا علي ذلك آخر الاعمال التي قام بها بعد الحرب وبعد انتقاله من الخرطوم لموطنه الاصلي الجريف.
اليوم ونحن نودع نائب الحزب البرلماني احمد عطا المنان نائب دائرة شندي الجنوبية الغربية في برلمان ١٩٨٦م هذا القائد الحزبي المخلص و المجاهد الوطني الفذ، يفقد الحزب برحيله وتفقد المنطقة أحد رجالاتها المخلصين و المدافعين عن وحدة الوطن الترابية الذين شاركوا وساهموا بقوة في خدمة الوطن والمواطن بلا كلل ولا ملل .فقد نجح المرض في ان يقعده عن الحركة ولكنه فشل في ان يقعده عن خدمة الناس.
ولا نملك أمام هذا المصاب الجلل إلا أن نتقدم بخالص عبارات التعازي وصادق المواساة لأبناء الفقيد العزيز عمر واخوانه ولأفراد أسرته الكريمة ولعموم الأهل والعشيرة بالجريف وعلي امتداد حدود الدائرة ولاشقاء الفقيد بالحزب الاتحادي الديمقراطي ولزملائه من النواب البرلمانيين ، متضرعين للمولى العلي القدير أن يتغمد الراحل بواسع رحمته ومغفرته وأن يسكنه فسيح جناته ويلهم أهله و ذويه جميل الصبر والسلوان.
(إنا لله وإنا إليه راجعون)