التعديلات التي أجازها مجلسا السيادة والوزراء على قانون جهاز المخابرات العامة مؤخراً هي في الواقع تصحيح لخطأ قاتل وقعت فيه القوى السياسية عندما وقعت يوم الاثنين 5 ديسمبر 2022 مع المكون العسكري على اتفاق تم بموجبه سلب سلطات جهاز المخابرات العامة، وجعله مجرد مركز دراسات مهمته جمع المعلومات، وتحليلها، وتقديمها لرئيس مجلس الوزراء، على ألا تكون له سلطة الاعتقال، ولا يسمح أن تكون له مرافق لتنفيذ الاعتقالات.
كان نتيجة هذا الخطأ القاتل هو الحرب الدائرة الآن، والتي كادت أن تؤدي لتفتيت الدولة السودانية لولا تماسك الشعب حول قيادته، وبسالة القوات المسلحة، وبسالة قوات جهاز المخابرات العامة المفترى عليه، وبسالة قوات الشرطة التي تم تقليم أظافرها بالفصل الممنهج لخيرة الضباط.
لقد ارتبطت الصورة الذهنية لأجهزة الأمن والمخابرات لدى بعض السياسيين، ولدى أغلب العامة من المواطنين، بنشاط قسم واحد من أقسام هذا الجهاز هو القسم السياسي، والذي في سبيل تأديته لمهامه قد يعتقل بعض الأشخاص، أو يمنعهم من السفر أو يحجم نشاط أحزاب أو مجموعات سياسية. غير أن أعمال وأنشطة هذا الجهاز الكبير غير قاصرة على القسم السياسي. إنها ترتبط بأعمال ومهام متشعبة كثيرة جداً ومتخصصة هدفها تحقيق الأمن القومي للدولة.
جهاز المخابرات العامة في مختلف الحقب، ولدى أغلب دول العالم، هو جهاز لا غنى عنه، توفر له أفضل وأذكى العناصر البشرية في البلد، وتخصص له الموارد المالية التي تمكنه من الحصول على أفضل التقانات للمراقبة والمتابعة والتدخل في الوقت المناسب.
ويعمل الجهاز عبر دوائر وإدارات وأقسام متخصصة تهتم بكل مجالات الأمن، فبخلاف الأمن السياسي هناك إدارات متخصصة تعمل على صيانة وحماية الامن الاجتماعي، وأخرى تهتم بالأمن الثقافي، وثالثة تعمل على صيانة الامن العسكري، ورابعة تخصصها الامن المعلوماتي، وخامسة تهتم بمكافحة التجسس، وسادسة مهمتها صيانة الامن البيئي، وسابعة تعمل في مجال الأمن الإنساني، وثامنة تهتم بجمع المعلومات من الخارج، وتاسعة تتخصص في الأمن الاقتصادي. فضلاً عن أقسام متخصصة في التحليل وإعداد التقارير ورفد أجهزة الدولة بها.
سلطة الاعتقال التي تمنح للجهاز ضرورية للقيام بالمهام التي ذكرناها، ونضرب لذلك أمثلة في الجانب التطبيقي: إذا تحصل الجهاز بناءً على المراقبة الفنية، والمتابعة الميدانية، على نية مجموعة أجنبية القيام بعملية إرهابية تتضمن تفجيرات واغتيالات، هنا من الضروري ان تكون له سلطة الاعتقال لإيقاف عملية كهذه. إن إيقاف عمليات الهجرة السرية عبر الحدود، وضبط عناصر المخابرات الأجنبية، وغيرها، كلها تتطلب سلطة الاعتقال.
حسب التعديلات التي تمت على القانون فإن الاعتقال يتم بضوابط حددها القانون، وتحت اشراف نيابة تخصص لهذا الغرض. وتوفر للمعتقل كافة الحقوق والرعاية الطبية وامكانية التواصل مع أهله ومحاميه.
من الأهمية بمكان أن تقوم إدارة الاعلام بجهاز المخابرات العامة، وأجهزة الاعلام بصفة عامة، والأحزاب السياسية بتنوير المواطنين بالحقوق والواجبات والمحاذير المضمنة في هذا القانون.
ونلفت نظر الناشطين السياسيين على وجه الخصوص للحذر من الوقوع تحت طائلة التخابر مع الجهات الأجنبية، فحسب منطوق المادة 50 (1) (هـ) من القانون المعدل، فإن طرق أبواب السفارات، وزيارة الدبلوماسيين في مقارهم، والتواصل معهم، وتلقي الأموال منهم، يوقع تحت شبهة التخابر، ويعطي للجهاز الحق في الاعتقال والاستجواب. إن التواصل مع السفارات والمنظمات يجب أن يتم عبر بوابة وزارة الخارجية، ومفوضية العون الإنساني وفق الضوابط التي تضعها هاتين الجهتين.
والله الموفق.