جامعات الشركات في السودان: كلية صافات للعلوم والتكنولوجيا إنموذجا متفردا
أحدثت الثورات الصناعية خاصة الثالثة والرابعة تحولا جذريا يشهده العالم المعاصر، نجم عن ذلك التحول ثورة هائلة من التغيرات على كافة الأصعدة، اتسم فيها هذا العصر بنشأة مجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة والتحول الرقمي والسوق التنافسية، وغيرها من العوامل التي أثرت على بيئة العمل والانتاج والصناعة، مما استدعي ضرورة إكساب العاملين في الشركات التجارية والصناعية العديد من القدرات والمهارات والجدارات التي تُؤهلهم للتعاطي السريع معها من خلال توفير تعليم بديل يدربهم و يلبي حاجيات هذه المؤسسات من التدريب المطلوب حتي تصبح مواكبة وإلا سيكون مصيرها الزوال إذا لم تستعد للحاضر وتتنبأ بالمستقبل فتضع له حسابا، وفي التاريخ عِبر كثيرة لشركات غابرة عفي عليها الزمن لعدم مواكبتها فخرجت من حلبة المنافسة التجارية بل أن بعضها تلاشي.
لمواكبة تلك التطورات فيما يتعلق يالحصول علي تأهيل كوادرها وتدريبهم، سعت الشركات للاستفادة من الخبرات الأكاديمية في مجال التخصص بإبرام شراكات مع الجامعات ومؤسسات البحوث والتدريب، ثم تطورت فكرة هذه الشركات لاحقا لإنشاء مراكزها الخاصة بها مما أسهم في ظهور فكرة جامعات الشركات التي يمكن أن تلبي الاحتياج التدريبي للشركات المالكة لها من خلال بناء قدرات العمالة الماهرة، مواكبة التطورات و إستباق التغيرات المتسارعة في بئية الأعمال وبناء القوة التنافسية لهذه الشركات، ومن حينها امتلكت عدة شركات جامعات ضخمة انتشرت في كل دول العالم. فما هي جامعات الشركات؟
جامعات الشركات
تُعرّف جامعات الشركات بأنها: مؤسسات تعليمية رسمية مرتبطة بالشركات، تهدف إلى تزويد العاملين بها بالمعارف والمهارات التي يحتاجون إليها لمساعدة الشركة في إنجاز أهدافها. كما تهدف إلى الحفاظ على القوى العاملة وتوسيع خبراتها وتعمل على توفير ما تحتاج إليه الشركات من موارد بشرية وقدرات بحثية تُمكنها من تحقيق استراتيجياتها. تبلورت فكرة هذه الجامعات في حقبة الثمانينات و التسعينيات، وفي 1914م طبقت شركتا جنرال الكتريك (GE) وهي شركة أمريكية صناعية تكنولوجية (متعددة الجنسيات) و جنرال موتورز (GM) وهي شركة أمريكية (متعددة الجنسيات) تعمل في تصميم وتصنيع وتسويق وتوزيع المركبات برامج تدريبية في مجال السلامة والمواصفات لمنتسيبها، ومن ثم بدأت الفكرة تتخذ شكل مؤسسي في عام 1950م، ثم ازداد عدد الشركات التي تمتلك جامعات في القرن الحادي والعشرين، و على مدى الأربعين سنة الماضية أصبحت وظيفة التعلم والتطوير والتدريب تتم داخل هذه الشركات التي احتلت جامعاتها حيزا في أمريكا، اليابان، ثم أوروبا، ثم انتشرت فى ربوع العالم بأكمله بما في ذلك آسيا و إفريقيا، حتي أصبح لها اتحاد في عام 2005م يطلق عليه ” المجلس العالمي لجامعات الشركات” ويتخذ من بريطانيا مقرا له.
أشهرو أقدم جامعات الشركات علي مستوي العالم هي: جوجول بلكس (Googleplex) ، ماكدونالدز هامبر يغرMcDonald’s Hamburger) ( أبل(Apple)، ديزني . (Disney) Network Builders University وشركة انفوسيس (Infosys) في الهند، هواوي (Huawei) في الصين، والخطوط الجوية السنغافورية في سنغافورة ، وشركة الاتصالات في دولة الإمارات العربية المتحدة وكلية صافات للعلوم والتكنولوجيا في السودان.
شركات الجامعات في السودان
يعتبر مفهوم شركات الجامعات في السودان حديثا ورائدته هي كلية صافات للعلوم والتكنولوجيا، كانت البداية في 2013م بمصادقة وزارة التعليم العالي لشركة جياد للصناعات بإنشاء الكلية لتلبية احتياج الشركة التدريبي و لتأهيل منتسبيها لمواكبة التطورات المتسارعة في بئية الأعمال وبناء المقدرة التنافسية للشركة وتقديم خدمات مجتمعية لاحداث تغيير اجتماعي إيجابي.
كلية صافات للعلوم والتكنولوجيا
تنفذ الكلية أهدافها من خلال البحوث والإبتكارات والإستشارات وتقديم برامج أكاديمية، تقنية، تكنلوجية و مهنية متعددة التخصصات، مثلا في مجال الطيران: تقدم الكلية دورات في الصيانة الخفيفة للطائرات، صيانة الطائرات العمودية،والبوينج، كهرباء والكترونيات ومحركات الطائرات.
تقسم هذه البرامج إلي عدة أقسام تشمل: دورات تدربية (أقل من 6 أشهر)،شهادات مهنية (6-24 شهر)،دبلوم تقنية الطيران(3 سنوات)، بكلاريوس (4-5 سنوات)، دبلوم عالي(عام واحد) ،ماجستير (سنتان)، دكتوارة (3 سنوات) و الشهادات المهنية (أقل من عام). بلغ عدد إجمالي طلاب هذه البرامج 500 طالبا، يتوزعون كالآتي: (100) (شهادات مهنية) ، (100) دبومات تقنية، (250) بكلاريوس و (50) ماجسير و دكتوارة. (موجهة للمهندسين، كبار المهنيين و متخذي القرارات في الشركات الحكومية والخاصة).
التعاون الخارجي بين كلية صافات و الجامعات الأجنبية
تسعى الجامعات عموما وكذلك جامعات الشركات في جهودها للتنمية للتوازن من أجل التوفيق بين الحاجة إلى إبراز هويتها الفردية والحاجة للاستفادة من خبرات الآخرين، وتعزيز مكانتها عن طريق تحديد هويتها، والوفاء بالتزاماتها الخاصة للرقي والنهوض بالعملية التعليمية والأنشطة البحثية وخدمة المجتمع، وكل ذلك يتطلب التفاعل المستمر بينها وبين مؤسسات التعليم النظيرة الإقليمية والعالمية، ولهذا السبب اتجهت كلية صافات إلي الخارج وبدأت بماليزيا عبر جامعتين هما الجامعة التكنلوجية الماليزية و جامعة بهانق-ماليزيا
التعاون بين كلية صافات و الجامعة التكنولوجية الماليزية
في عام 2018م دخلت كلية صافات و الجامعة التكنولوجية الماليزية في تعاون أكاديمي للدراسات العليا. الجامعة التكنولوجية الماليزية جامعة حكومية بحثية يعود تاريخها إلي 1904 إلي أن أصبحت جامعة حديثة في عام 1985م، يبلغ عدد طلابها 25486 طالبا (4422) ماجستير و(4972) دكتوارة و (5257) طلاب وافدين، ونسبة لتفوقها احتلت الجامعة في تصنيف 2022م للجامعات المرتبة( 101-125) عالميا.
تبنت كلية صافات في علاقاتها مع هذه الجامعة التعاون في المجال الأكاديمي الرأسي القائم علي دعامة الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراة في مجال الإدارة الهندسية)، تُوج هذا التعاون بتخريج الدفعة الأولى من طلاب ماجستير الادارة الهندسية وعددهم 16 دارسا في هذا العام 2022م، نُفذ البرنامج الدراسي في السودان عبر زيارة أساتذة من الجامعة التكنولوجية للتدريس في كلية صافات بالسودان، مما قلل التكلفة المادية و سهل تدريب قيادات سودانية في مجال الأعمال التجارية و الصناعية و بمستوي عالي.
التعاون بين كلية صافات و جامعة بهانق، ماليزيا
اتجه نظر كلية صافات أيضا الى التوسع الأفقي في بناء علاقات مثمرة تسهم في تحقيق أهدافها خاصة في مجال التعليم والتكنولوجيا فوقع الاختيار علي جامعة بهانق-ماليزيا، وهي جامعة حكومية متخصصة انشئت في عام 2002م لتركز علي بناء الجدارات التقنية في مجال الهندسة والتكنلوجيا والتعليم التقني المهني، وهي من أفضل الجامعات الماليزية، لها تعاون استراتيجي في مجال الإبتكارات مع عدد من المؤسسات الأكاديمية العالمية خاصة الغربية منها مثل جامعة Karlsruhe University الألمانية للعلوم التطبيقية.
ولتحقيق ذلك التعاون الافقي، زار وفد من كلية صافات في شهر مايو 2022م الجامعة المعنية وتباحث الجانبان حول عدد من المواضيع: منها إمكانية منح شهادات جامعية بصورة مشتركة بين كلية صافات وجامعة بهانق، اضافة الى الاتفاق على اجراء بحوث مشتركة و عكس تجربة الجامعة في التواصل الفعال مع الصناعة والمجتمع وكيفية خلق النظام المتجانس، كما تم الاتفاق على برامج تبادل الطلاب والمحاضرين، وكذلك تم الاتفاق على عدد من البرامج بنظام الإشراف الأكاديمي عن بعد من قبل مشرفيين ماليزيين من أساتذة الجامعة مع وجود مشرف سوداني أيضا، و بعد أن تتم المصادقة علي الاتفاق للتعاون بين الجانبين، سيصبح بوسع كلية صافات تقديم برامج أكاديمية ذات جودة عالمية وتمنح شهاداتها بصورة مشتركة بين المؤسستين.
برافو صافات
تجربة كلية صافات تجربة رائدة تستحق الدعم من الدولة والوقوف علي تجربتها لما تقدمه هذه الكلية من برامج مواكبة في مجال الدراسات التكنولوجية والهندسية خاصة في مجال دراسات الطيران، وكذلك لمواكبة تلك البرامج لسوق العمل والتطور في مجال المعرفة. آمل أن يستمر ذلك الإنجاز والعطاء مع الأخذ في الحسبان الاهتمام بصورة أكبر و التركيز علي إكساب طلاب الكلية المهارات الناعمة والجدرات المهنية التي أصبحت لا غني عنها في مجال التوظيف والترقي المهني مما يجعل خريجي الكلية علي مستوي من التميز المهني و السمعة الطيبة في مجال التوظيف و ريادة الطلب عليهم في سوق العمل.