لا شك أن الخطوة التي اتخذها صانعو القرار في الدولة السودانية بتعيين السيد علي يوسف وزيراً للخارجية السودانية هو قرار صائب وسوف يحقق هذا القرار انعكاساً إيجابياً للعمل الخارجي السوداني، نظراً للخبرات الواسعة التي يمتلكها السيد وزير الخارجية الجديد، والتي ستسهم في تحسين صورة السودان على الصعيد الدولي.
لكن قبل الانطلاق نحو توثيق العلاقات الخارجية للسودان علي المستوي السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافي والعلمي مع دول المحيط الإقليمي، ينبغي ترتيب البيت الداخلي على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية من أجل توحيد صف الجبهة الداخلية، إن الجميع يدرك حجم المشكلات التي تسببت فيها حرب 15 ابريل 2023م و مقدرا و حجم التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية عبر حجج الدواعي الإنسانية وأخري واهية لبسط هيمنة النظام الدولي على مقدرات الدولة السودانية، فإذا كانت التدخلات الخارجية تفرض قيودًا على حركة الدولة داخل حدودها السياسية لحل مشكلاتها في إطار قومي يخدم مصالحها، فكيف لنا أن نتصور حجم القيود التي ستفرض على حركة الدولة السودانية من أجل توثيق علاقاتها مع دول محيطها الإقليمي ودول القارة الإفريقية الأخرى في إطار تحالفي يهدف إلى دعم السيادة الوطنية وحماية الأمن الوطني السوداني وتنمية مقدراته والحفاظ على كيانه الإقليمي؟
لذلك قبل التحرك نحو الخارج في إطار عملية توثيق العلاقات مع دول المحيط الإقليمي للسودان، لابد أن يكون هذا التوجه مدعومًا شعبيًا وتقف وراءه السلطة الحاكمة لإعطائه قوة دافعة. وبناءً على ذلك يجب أيضاً البدء في تنفيذ خطوة أخرى وهي التمهيد لبدء عملية جمع معلومات دقيقة عن طريق البحوث العلمية الأكاديمية التي تستخدم وسائل العلم الحديث في جمع المعلومات وتحليلها عبر دراسة حالة كل البلدان والمناطق المستهدفة من حيث المعلومات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية والعلمية وقابلية قياداتها وشعوبها للتجاوب مع الدولة السودانية.
إن جمع هذه المعلومات يعطي مؤشرات حقيقية عن الدول المستهدفة لإقامة علاقات وثيقة معها، تساهم في وضع تصورات واستراتيجيات تنبثق منها خطط تعنى بتصميم برنامج وأسلوب عمل يحدد أولويات السودان في تحركه نحو ترسيخ علاقاته بدول جواره الإقليمي، و ينبغي هنا الابتعاد عن الرؤية النمطية عن الآخرين، حيث أنها تقود لفشل ذريع عند وضع الاستراتيجيات
إن دول اللصيقة بالسودان سبعة دول هي مصر، وأرتيريا، أثيوبيا، جنوب السودان، إفريقيا الوسطى، تشاد وليبيا، و من حيث الأهمية فأن مصر أرض الكنانة تعنى رقماً إقليمياً مهماً فهي فاعلة في الإطار العربي والإفريقي، وتمتلك خبرات كبيرة في النواحي السياسية، الاقتصادية، العسكرية والعلمية، فمن الناحية السياسية والأمنية هنالك احتياج للتنسيق بين مصر والسودان في ملفات مهمة ورئيسية منها ملف التكالب الأجنبي على السودان ومحاولة تفتيته، وملف المياه، ملف الوجود الإسرائيلي في منابع النيل، وملف أمن البحر الأحمر والتواجد العسكري الأمريكي في القارة الإفريقية وإستبعاد مصر من التنسيق مع القيادة الأمريكية لأفريقيا و الذي يبدو بأن هنالك بعض التغيرات التي طرأت عليه مؤخرا حيث استعادة الدولة المصرية ملفات مهمة بفضل دبلوماسيتها مؤخرا مما ينعكس إيجابا علي ملف الحرب في السودان ، بالإضافة للخطط المشتركة من أجل تنسيق الجهود المشتركة لتعزيز العلاقات بالدول الإفريقية في إطار حملة منسقة لحماية الأمن الوطني لكل من السودان ومصر، أما على الصعيد التجاري فمصر من الدول لها تبادل تجارى كبير مع القارة الإفريقية حيث بلغت قيمة حجم التبادل التجاري بين مصر والدول الإفريقية حتى نهاية العام 2023 م حوالى أكثر من 2 مليار 117 دولار بمعدل نمو 10% ,بالإضافة لجودة السلع المصرية وقبولها في الأسواق الإفريقية، إذن تنمية التبادل التجاري بين مصر والسودان يسهم في زيادة الصادرات والواردة ويحقق مكاسب إقتصادية لكل من البلدين، كما يمكن للسودان الاستفادة من تطور تكنلوجيا البناء والزراعة والصناعة في مصر عبر بناء شراكات في مشاريع عمرانية وزراعية وصناعية في السودان بالإضافة لتفعيل للتبادل العلمي بين جامعات البلدين.
ختاماً لن يستطيع السودان أن يتطور إقتصاديا وتنموياً ويعيش في أمن وطمأنينة مالم تنعم البيئة التي تحيط به بالأمن والاستقرار والتنمية، وتحركه في اتجاه إقامة علاقات وثيقة مع دول محيطه الإقليمي تحت مظلة حملة منظمة وفق إستراتيجيات معدة بناءاً على معلومات مؤكدة تعمل على ترسيخ العلاقات بين السودان ودول جواره الإقليمي، بغرض الإستفادة من هذه العلاقات في زيادة مقدرات الدولة السودانية من القوة والثراء الاقتصادي، ويتطلب هذا التقيد بالخطط الإستراتيجية المعدة لهذا التحرك والاستجابة للمتغيرات على المستوى الإقليمي والدولي من أجل إدخال التعديلات اللازمة على الخطط المعدة من أجل إعطاء قوة دافعة لهذا التحرك، مع الانتباه للمعوقات والحواجز التي يمكن أن تفرض من قبل الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل من أجل الحد من هذه الحركة وكيفية التعامل معها بشكل من المرونة والحكمة حتى لا تؤثر في إبطاء قوة الدفع السودانية في بناء علاقات راسخة مع دول المحيط الإقليمي للسودان.
وهذه بعض من التوصيات التي يمكن أن تفيد صانعي القرار في استحداث نموذج جديد يخدم مسار تطوير علاقات السودان مع محيطه الإقليمي.
تحديث مؤسسات صنع القرار المختصة بالشأن الإفريقي.
إنشاء لجنة برلمانية تعنى بالشؤن الإفريقية.
إنشاء لجنة رئاسية قومية تختص بجمع المعلومات بصورة مستمرة عن القارة الإفريقية لتخطيط السياسات الإفريقية ومتابعة تنفيذها وتقويم أدائها ومراجعتها بصورة دورية.
إشراك مراكز البحوث والدراسات فى تفعيل الأنشطة البحثية عن القارة الإفريقية على كافة الأصعدة ذات الإهتمام سوى كانت سياسية أو إقتصادية أو أمنية أو علمية أو ثقافية.
الإهتمام بدعم وتطوير أداء البعثات الدبلوماسية على المستوى الإفريقي وخاصة فيما يتعلق بالجانب الثقافي والعلمي.
تعيين وزيراً مختصاً بالشأن الإفريقي له خبرة وعلاقات إفريقية تخدم مصالح السودان عبر تفعيل علاقات السودان السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية مع دوائر صنع القرار في إفريقيا لدعم جهود وزارة الخارجية.
8 نوفمبر 2024م