رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

تكييف المبادرة التركية والمبادىء الدولية : محاولة خروج من الحديث المباشر إلى دور الوسيط

د. إبراهيم الصديق علي



(1)
ما يثار عن المبادرة التركية بين السودان والامارات العربية المتحدة هو فى خلاصته سيناريو لتغيير المسار من تفاوض بين دولتين وفق مبادئ القانون الدولي إلى مقاربات (خشنة) تعتبر الامارات فيه نفسها كضامن بإسم مليشيا الدعم السريع ، على أن تكون تركيا ضامن لموقف الحكومة السودانية ، وبذلك تضمن الأمارات دخول مليشيا الدعم السريع فى معادلة التفاوض ونتائجها وتتجنب اتهامها بتبنى قضايا ذات شأن داخلي..
وما نشر من تسريبات فى نقاط محددة ، هو فى حقيقة الأمر تحقيق لثلاث اهداف دفعة واحدة ، فهى قياس نبض لتوجهات الرأى العام و(امنيات) لإنعاش معنويات طرف متعسر ، و (تخمينات) لإرباك المشهد السياسي الداخلي ، وما تم من تصعيد فى بعض المنابر هو أمر مقصود.. وسنأتى لذلك بالتفصيل إن شاءالله..
(2)
يؤسس مبدأ الوساطة بين الدول على اربعة نماذج اساسية:

  • تقريب وجهات النظر من خلال المقاربات والنصح..
  • دراسة نموذج لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات ، وهذا نتاج دراسات خبراء فى الاقتصاد والدبلوماسية والقانون الدولى
  • تطبيق نماذج تجارب مماثلة والاسترشاد بها..
  • ونموذج أخير ، هو أقرب الى (فك الشفرات) ، وهو ما يسمونه السلوك العقلاني..
    وفى السنوات الأخيرة ، شهدت مفهوم التفاوض دخول معادلات اخري:
  • اولها: السلوك (الخشن) ، أى التهديدات والضغوط ، وقد شهدنا ذلك فى حالة مفاوضات جنيف ، وفى اغلب تحركات الولايات المتحدة الأمريكية ، فهى اقرب إلى فرض الارادة ، وقد يكون ذلك السلوك الخشن من أحد الأطراف لاخضاع الطرف الآخر..
  • وثانيا: دخول (المفاوض) كضامن ، وحدث ذلك فى كثير من الحالات ،
    (3)
    تلتمس الدول فى بدايات اخرى أى وساطة بعض الأسباب الدافعية للاستمرار فى المفاوضات أو التوقف ، وهو ما يسمى باللقاءات الاستكشافية ، موقف كل طرف وتحفظاته ، وكل ذلك فى حدود المسؤوليات ، أى تجنب الدخول فى الشأن الداخلي للدول ، وهذه النقطة هى أول مقياس يشير إلى عدم صحة ما يتم تداوله عن مبادرة حول الخلاف السوداني – الاماراتي ، حيث تضمن قضايا من الشأن الداخلي..
    ويجوز فقط للسودان الطلب من الأمارات التوقف عن دعم مليشيا آل دقلو الارهابية ، ولا تملك الإمارات سوى الدفاع عن موقفها..
    ومن اسباب نجاح المفاوضات حول الوصول إلى طريق مسدود ، وما زال هذا الشوط بعيد التحقق ، حيث ترجيح كفة الحكومة السودانية فى الميدان العسكري ، ورغم محاولات رفع مكاسب المليشيا من خلال زيادة كلفة الحرب بإستهداف المدنيين بالقصف أو التجويع ، أو محاولة الدخول إلى الفاشر ، لاعطاء جرعة معنوية ، أو المضى قدماً فى مقترح حكومة منفى ، فإن فرص هذه المناورات محدودة التأثير..
    ومع انفتاح القوات المشتركة فى كافة انحاء دارفور ، وصمود الفاشر ، فإن حسابات الميدان معقدة ، ولن يعترف أحد بحكومة طريدة..
    ولذلك فإن الأمارات فى مرحلة تقييم المكاسب من استمرار الحرب ، مع اقتراب عودة الرئيس الامريكي دونالد ترامب ولادارته منهج آخر فى التعامل مع النزاعات الدولية ، وخلاصته : (نزع اليد)..
    (4)
    ما صدر من تسريبات عن نقاط محددة هى محض واحدة من ثلاثة ، اما (جس نبض) أو (تخمينات) من يسمون انفسهم خبراء دون خبرة أو (أمنيات) يائسة ، فهى تضمنت نقاط تعتبر شأناً داخلياً..
    ولإحداث مقاربة أكثر فإن الاحتمالات الراجحة هى :
  • خروج الإمارات من دائرة التفاوض مع الحكومة السودانية و ادخال الدعم السريع كطرف اصيل والدخول كضمان ، وبذلك تتبني اجندة مليشيا الدعم السريع دون حرج وتضمن فى سياق ذلك مصالحها ومطلوباتها ، ولهذا تم نشر هذه التسريبات ، والترويج لها ، وتبناها البعض بالموالاة أو الانتقاد ، وكلها تأتي ضمن اهداف التسريب..
  • اما الاحتمال الثانى هو وساطة تركية بين أطراف سودانية ، وهذا مستبعد ، لان هناك منابر اقليمية ودولية قطعت مشوارا فى هذا الجانب..
    من الضروري ، أن تستبق الحكومة السودانية ، مثل هذه المبادرات واللقاءات ذات الشأن المعقد ، بالتوضيح والتفسيرات ولا يكفي العبارات البروتكولية ، ويمكن للحكومة كذلك تسريب ما تراه بما يتفق ومصالحها..
    حفظ الله البلاد والعباد

    7 يناير 2025م

اترك رد

error: Content is protected !!