أصدرت الإدارة العامة للإمدادات وتجارة النفط بوزارة الطاقة والنفط قراراً بالرقم (5) بتاريخ 20 فبراير 2022 بتحديد سعر أسطوانة الغاز للاستهلاك المنزلي، وسعر الليتر من الغاز لاستخدام المخابز. بعد صدور القرار بساعات أصدرت نفس الإدارة قراراً بإلغاء التعديلات بناءً على توجيهات من مجلس السيادة ووزارة المالية.
خلال نفس الأسبوع أصدرت وزارة المالية مرسوماً بتحديد الرسوم المالية للعلاج الطبي بالمستشفيات الحكومية، غير أن عدداً من مديري المستشفيات وجهوا بتجميد تنفيذ الرسوم بدعوى أن الفقراء من المواطنين لا يتحملوها.
في بدايات شهر فبراير الجاري ألغى مجلس السيادة تعريفة الكهرباء التي كانت قد أصدرتها وزارة المالية، بعد احتجاجات المواطنين بالولاية الشمالية بدعوى تأثيرها البالغ على تكاليف الإنتاج.
هذه الأمثلة، وغيرها، تشير الى أن القرار في الحكومة السودانية في الوقت الحالي إما أنه يشوبه التعجل والافتقار للدراسات القبلية، أو أنه يفتقر للسند السياسي، أو العنصرين معاً. وهذا ينهض دليلاً على هشاشة الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد.
أعتقد أن القرارات المعنية جميعها لم تكن تفتقر للدراسات القبلية والمعلومات والاتساق، لأنها كلها جاءت في إطار التحرير الاقتصادي، وإلغاء سياسة دعم الاستهلاك، حسبما تم التوافق عليه ما بين حكومة السودان والمؤسسات المالية الدولية والمانحين والذي عبرت عنه مذكرة المشاركة country engagement note التي وقعتها حكومة السودان مع البنك الدولي في أكتوبر 2020، وتم على ضوئها الوصول لمرحلة اتخاذ القرار بشأن التخفيف من حدة الديون وفق مبادرة الهيبيك (تخفيف حدة الديون عن الدول المثقلة بها) والتعهد بعون تنموي مقداره 2675 مليون دولار.
وفقاً لهذا التحليل يبدو أن القرارات افتقرت للسند السياسي، لهذا جاءت قرارات السلطة الأعلى (المجلس السيادي) بإلغائها أو تجميدها، حيث تبحث هذه السلطة عن السند والمؤازرة الجماهيرية، وسط أجواء مشحونة بالكراهية ضد المكون الأساسي في المجلس السيادي وهو المكون العسكري، والمكون السياسي المساند وهو الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام.
إن إلغاء القرارات المتعلقة بالدعم الاستهلاكي، والعودة لسياسات الدعم من الباب الخلفي مضرة جداً بالأوضاع الاقتصادية العامة، ولن تجد وزارة المالية بداً من العودة للاستدانة من النظام المصرفي (طباعة العملة) لسد عجز الموازنة. فتزداد تبعاً لذلك معدلات التضخم، ويستمر انهيار الجنيه السوداني.
يكمن الحل في اتباع نظام الدعم الموجه أو الدعم الذكي، حيث تقوم الحكومة بدعم جزء من استهلاك الفقراء المعرّفين ببطاقات ذكية تمنع تسرب السلع المدعومة للسوق أو للدول المجاورة. فتكسب بذلك مؤازرة الفقراء وتحفظ الاستقرار الاقتصادي في نفس الوقت.
عدد من الدول مثلنا تقدم الدعم لمواطنيها بسبب قلة الدخول وعدم قدرة المواطنين الفقراء على مجاراة الأسعار. في مصر فإن وزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية هي من يشرف على نظام البطاقة التموينية الالكترونية. وهي بطاقة تنظم الدعم للمصريين فقط، عبر ما يسمى بمنظومة السلع التموينية. آخر التقارير، المعتمدة من الجهاز المركزي للإحصاء المصري، أشارت الى أن منظومة السلع التموينية ونقاط الخبز أثرت بشكل واضح في تأمين مستوى معيشة 46٪ من الأسر، وجنبتهم الدخول في دائرة الفقر. فلنعمل على الاستفادة من التجربة المصرية. والله الموفق.