الرواية الأولى : القسم السياسي
بدا التحالف للمجموعات والأفراد المناصرين لفرض عقوبات أمريكية على السودان – تحت غطاء معاقبة مؤسسات الجيش السوداني – في حالة من الإرتباك في الندوة التي نظمها مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة في واشنطون للتعليق على التقرير الذي أصدره المركز مؤخرا في هذا الصدد.
تباينت وجهات نظر المتحدثين حول التقرير حيث جدد كاميرون هيدسون الباحث والديبلوماسي السابق دعوته للعقوبات بينما تحدث مجدي أمين الخبير الاقتصادي ومستشار وزير المالية السوداني السابق عن ضرورة تقديم الإصلاح الإقتصادي وعدم الإستعجال إلى تصفية ومعاقبة شركات المؤسسات العسكرية لأنه عبر الإصلاح المؤسسي يمكن التوصل إلى قرارات سليمة حول أيلولة المؤسسات للمدنيين دون إضاعة مكاسبها التي تحققت، إلا أنه دعا في ذات الوقت لمعاقبة الدعم السريع لمقاومته الإندماج في الجيش مبررا ذلك أن الإصلاح الأمني ضروري ويجب أن يبنى عليه تعاونا أمريكيا سودانيا.
امتنع ممثل وزارة الخارجية الأمريكية في الندوة عن تقديم وعود محددة عن إنفاذ عقوبات كان الكونغرس الأمريكي قد دعا إليها في وقت سابق مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية لم تعاقب إلى الآن سوى جزء من الشرطة السودانية لإرتكابها العنف ضد المتظاهرين وأنها علقت الدعم المقدم للسودان.
قالت الناشطة والباحثة خلود الخير ان الإدارة الأمريكية لم تفعل شيء لإيقاف الدولة العميقة في السودان وأن لجنة التمكين لقيت تسامحا من العسكريين في بداية الأمر لأنها استهدفت أفرادا مشهورين ولم تمس أصول الدولة العميقة والتي تعيد بناء نفسها الآن، ونوهت خلود أن الدولة العميقة ليست مجرد أفراد ومؤسسات ولا حتى الحركة الإسلامية والجيش ولكن هنالك طبقة ثرية تتحرك لتأمين صفقات دولية لصالح الدولة العميقة وأوردت اسم رجل الأعمال أسامة داوود نموذجا وأشارت إلى صلاته بإستثمارات وقيادات خليجية لصالح الدولة العميقة على حد تعبيرها.
قالت خلود أن الحديث لا يجب أن ينحرف إلى هل تفرض عقوبات أم لا؟ ويجب أن ينحصر في تسمية وتحديد العقوبات مباشرة. وفي ذات السياق أبدى هدسون انزعاجه من أن الدولة العميقة في السودان أعادت بناء نفسها بالفعل وقال في الوقت الذي نتحدث الآن هنالك أصول تمت تحويلها وهنالك مؤسسات جديدة ليست مضمنه في هذا التقرير ستظهر وتتلاشى جدوى التقرير ما لم نتحرك بسرعة.
من جهته جدد الخبير مجدي أمين دعوته لإستخدام الحوافز والعقوبات جنبا إلى جنب لقيادة السودان لإصلاح مدني ومؤسسي حقيقي، الامر الذي لم يجد الترحاب من بعض المتحدثين والمتداخلين.
أدارت الندوة أيفا كاهان أحد معدي التقرير ومسئولة السودان بالمركز وانتقت بعض الأسئلة المؤيدة لمبدأ العقوبات إلا ان بعض المشاركين من الناشطين السودانيين دفع بأسئلة عن تقديرات الخسائر بالنسبة للسودانيين في الوظائف وفرص العمل في مصانع مؤسسات الجيش لو تم تطبيق العقوبات.
شارك الأستاذ مكي المغربي بسؤال حول جدوى حصر التقرير والحملات إزاء السودان في الجيش والدعم السريع مع الإغفال التام لقضايا أخرى مثل حيازة الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح الحلو على مناطق تستنزفها في تعدين الذهب وحصاد أموال ضخمة بغير أي مسئولية أو محاسبة مما يرجح إحتمالية الصراع والحرب ويهدد الإنتقال بل ويجعل من الإحتياج للجيش واقعا لا يمكن انكاره ويربك بذلك حسابات الحكم المدني في السودان.
إلا ان المنصة قدمت المداخلات المؤيدة للعقوبات وإعتذر المركز عن الإجابة على الأسئلة المنتقدة للتقرير واختتمت الندوة بغير التوصل إلى رأي موحد حول جدوى العقوبات من عدمها.
الجدير بالذكر أن النقطة التي تباينت فيها آراء المتحدثين ايضا هي قرار البرهان المؤخر بإنسحاب الجيش من الحوار الذي تنظمه الآلية الثلاثية حيث شدد ممثل الخارجية الأمريكية على إستمرار الحوار بين كل القوى السياسية، ولم يضف اي استثناء، بينما انتقدت خلود الخير خطوة البرهان واصفة إياها قرار آحادي لتركيز السلطات وليس لمساعدة الإنتقال المدني الديموقراطي. من جانبه، قال مجدي أمين يجب التعامل مع قرارات البرهان بجدية والمساهمة في دعم الحوار.
نشر مركز دراسات السلام والإعلام الأمريكي في وقت سابق مقالا للأستاذ مكي المغربي عن العقوبات المزمع تهديد السودان بها عبر الكونغرس حينها حيث وصفها المقال أنها مهدد للعلاقة بين البلدين وللإنتقال المدني الديموقراطي في السودان وستؤدي إلى مزيد من الأرباك وقال مكي المغربي “لا يمكن لأمريكا أن توقد الشمعة من الجانبين وعليها أن تختار إما ان تعمل مع قادة الإنتقال في السودان أو تعاقبهم”.
مقال الأستاذ مكي المغربي ⬇️