(1)
الحركة الإسلامية منذ ظهورها كجماعة سياسية هدفها الإصلاح والتغيير عبر السلطان والتنافس الديمقراطي الحر كانت لها تحالفاتها التكتيكية والاستراتيجية حيث اختارت التماهي مع قطاع الطلاب والطبقة الوسطى لمنازلة نظام الفريق عبود حتى سقط في ثورة أكتوبر 1964، ثم شكلت مع حزب الأمة وسانو تحالف القوى الجديدة لمواجهة متطلبات السلام والبناء الوطني الديمقراطي، وتحالفت مع حزب الأمة والوطني الاتحادي لانهاء حكومة جبهة الهيئات ذات الصبغة اليسارية وتوج ذلك الحراك بميلاد الديمقراطية الثانية في انتخابات 1965،واستمر هذا التحالف داخل الجمعية التأسيسية لإقرار الدستور الإسلامي حتى جاء انقلاب مايو الحمراء عام 1969 وعطل مشروع الدستور الإسلامي، وبعدها ساهمت الحركة الإسلامية مع حزب الأمة والوطني الاتحادي في تشكيل تحالف الجبهة الوطنية لمنازلة نظام مايو ذو التوجهات اليسارية وأثمر النزال السياسي والعسكري في فك الارتباط بين الرئيس نميري والتيارات اليسارية ثم ابرام المصالحة الوطنية عام 1978،والتي توخت فيها الحركة الإسلامية رخصة الحرية لبناء مؤسساتها الاقتصادية والمجتمعية، والانفتاح الكبير على المجتمع وقد أفضت هذه الاستراتيجية صعود الجبهة الإسلامية القومية الى القوى البرلمانية الثالثة في انتخابات 1986م.
(2)
لما طفقت القوى اليسارية في التحالف مع الغابة المسلحة ممثلة في الحركة الشعبية بقيادة الدكتور قرنق والتي كانت تنزع في مشروعها الإيديولوجي الموسوم ب(السودان الجديد) الى تفكيك محرمات الثقافة العربية والإسلامية وتحطيم المؤسسة العسكرية الوطنية ولما هز هذا التحالف شجرة التجربة الديمقراطية الثالثة حتى كاد أن يقتلعها بالقوة المسلحة الغاشمة قدمت الحركة الإسلامية السند المادي والمعنوي للمؤسسة العسكرية الوطنية، ثم تحالفت معها في يونيو 1989م لإنقاذ السودان من مشروع الحركة الشعبية وصيانة ممسكات الهوية الوطنية وتماسك اللحمة المجتمعية.
(3)
بعد مفاصلة الإسلاميين المؤسفة عام 1999 اختار تيار المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور الترابي التحالف مع التجمع الوطني الديمقراطي لإسقاط نظام الرئيس البشير واستعادة الديمقراطية ولما كاد أن يسقط النظام في انتفاضة 2013 فك اليسار المتحور دوما ارتباطه مع المؤتمر الشعبي، وطفق في ربط تجربة الإنقاذ في الحكم بكل تيارات الاسلاميين، وعندها أدرك الدكتور الترابي بثاقب حسه الاستراتيجي أن التحديات الوطنية والإقليمية والدولية في مرحلة ما بعد الربيع العربي وارتداداته علي الحركات الاسلامية، تقتضي إعلاء قيم الحوار والقوة الناعمة لحفز نظام الرئيس البشير نحو السلام والوفاق الوطني والتحول الديمقراطي، ثم انجاز وحدة التيار الإسلامي الوطني في حزب عملاق جديد لمواجهة هذه التحديات الحضارية وتبدى ذلك في مبادرة الحوار الوطني عام 2014 والتي أثمرت دخول تيارات من الاسلاميين في حكومة الوفاق الوطني عام 2017م برئاسة البشير
(4)
بعد السقوط الدراماتيكي لنظام الرئيس البشير في أبريل 2019 وما تبعه من توقيع الوثيقة الدستورية واختزال الشراكة في الحكومة الانتقالية الأولى والثانية بين قحت ذات النفوذ اليساري والمكون العسكري ،ثم انفضاض الشراكة بعد قرارات الفريق البرهان في أكتوبر 2021م، وتمايز قحت إلى تحالف قحت المجلس المركزي، وقحت الميثاق الوطني المتحالفة مع المكون العسكري وبعد استبان أن رؤية قحت المجلس المركزي هي استئصال شافة الإسلاميين، وان دواعي فض الشراكة نزوع قحت المجلس المركزي إلى تحويل الفترة الانتقالية إلى انتقامية، والكنكشة في الحكم، بينما ترى قحت مجموعة الميثاق الوطني ضرورة الحوار والتوافق مع كل القوى السياسية حول محددات إدارة المرحلة الانتقالية ومهام التحول الديمقراطي المستدام.
ولئن كان التحالف احد أدوات الحركة الإسلامية الاستراتيجية في كل تجلياتها التاريخية فمع اي التيارات السياسية والوطنية يتحالف التيار الإسلامي الوطني لإنجاز قضايا البناء الوطني والديمقراطي، وصيانة الوحدة الوطنية واستدامة السلام؟؟
في اعتقادي إن الأوضاع الجيوستراتيجية الداخلية والإقليمية والدولية، وعبر تجارب الإسلاميين في تركيا والجزائر ومصر وتونس تقتضي ضرورة التحالف مع المؤسسة العسكرية الوطنية وقحت الميثاق الوطني كنواة صلبة لتشكيل الكتلة التاريخية الحرجة التي تضم كل القوى السياسية الوطنية الديمقراطية على المدى الاستراتيجي.