الرواية الأولى

نروي لتعرف

آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

تجربتي مع المركز القومي للمعلومات (8) الأمن السيبراني وحفظ بيانات الحكومة.

د. محمد عبدالرحيم يسن


منذ إنشاء المركز القومي للمعلومات، كان الأمن السيبراني حاضرا في حوكمة البيانات والتحول الرقمي.
لم يكن عنصرا طارئا أو تفصيلا إداريا حكوميا، بل بني عليه الفكر المؤسسي للمركز منذ بداياته، ليكون الحارس الأمين للبيانات الحكومية، والركيزة التي تنهض عليها الثقة في الخدمات الإلكترونية.
وقد أدرك القائمون على امر المركز القومي مبكرا، أن التحول الرقمي بلا أمن سيبراني راسخ هو بناء على رمال متحركة، فترجم هذا الوعي إلى منظومة من القوانين والتشريعات المتكاملة، بدءا بقانون المركز القومي للمعلومات، مرورا بقانون المعاملات الإلكترونية، وصولا إلى اللوائح التي أرست أسس حماية البيانات وصون الخصوصية. تلك التشريعات وضعت السودان ضمن الدول التي استوعبت مبكرا أهمية الإطار القانوني في صون البيانات والمعلومات الوطنية.
وعلى الصعيد الفني والبشري، كان الاهتمام بتأهيل المهندسين والكوادر المتخصصة داخل المركز أولوية لا تقل شأنا عن التشريعات. فشهد العمل تطورا مؤسسيا متدرجا هيكليا ووظيفيا:
من مشروع أمن المعلومات في العام 2010، إلى دائرة أمن المعلومات في 2012، ثم إدارة التأمين والمراقبة، وصولا إلى مركز أمن المعلومات في العام 2017.
ذلك التطور كان انعكاسا، بأن الأمن السيبراني ليس ترفا تقنيا، بل ضرورة استراتيجية لحماية بنية الدولة الرقمية واستدامة خدماتها.
ومن داخل المركز، انبثقت فكرة المصادقة الإلكترونية كأحد أهم مشروعات الثقة الرقمية، قبل أن تتطور إلى وحدة مستقلة مثلت أحد أعمدة الأمن السيبراني الوطني، يقودها جيل من المهندسين الذين أسسوا هذا المسار من رحم التجربة الوطنية.
كما تم إنشاء مركز البيانات الوطني وفقا للمعايير التأمينية القياسية، مما وفر بيئة موثوقة لتخزين البيانات وتشغيل الخدمات الإلكترونية بدرجة عالية من الأمان والاستقرار، وهو ما يتسق مع المعايير المتبعة في الدول الرائدة، التي جعلت من مراكز بياناتها القاعدة الصلبة لحماية أنظمتها الرقمية الوطنية.
واليوم، ونحن نعيد بناء ما تهدم، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز منظومة الأمن السيبراني الوطني بوصفها خط الدفاع الأول عن مقدرات الدولة الرقمية. فالتجارب العالمية تؤكد أن الأمن السيبراني أصبح من اهم مؤشرات التنمية الرقمية.
فالأمن السيبراني لم يعد خيارا تقنيا، بل ضرورة وطنية لحماية الدولة ومستقبلها الرقمي، والدرع الحصين ، والمنيع في وجه المخاطر المحتملة، وبوابة عبوره الآمن إلى المستقبل.
والعبرة أن نستفيد من التجارب ونحن نعيد بناء دولتنا الرقمية بثقة، وعزم، وإرادة.

العمود القادم نتناول اورنيك مالي ١٥ الإلكتروني ، التجربة الاكثر تأثيرا على التحول الرقمي في السودان.

٢٢ أكتوبر ٢٠٢٥م.

تعليق واحد

اترك رد

error: Content is protected !!