
التحول الرقمي في القطاع الصحي.
من أكثر القطاعات التي تعكس أثر التحول الرقمي على حياة الناس يبرز القطاع الصحي، ذلك القطاع الذي تتقاطع فيه التكنولوجيا مع حياة الإنسان اليومية، وتظهر فيه أهمية المعلومة في إنقاذ الأرواح.
من أبرز المشروعات التي كنا شهودنا عليها الربط الشبكي بين المستشفيات الحكومية والمؤسسات الصحية ، وإنشاء مراكز بيانات في المستشفيات الرئيسية في ولاية الخرطوم ، وشهدت تلك المرحلة تعاونا مميزا بين المركز القومي للمعلومات ، والعاملين في القطاع الصحي ، وفرق فنية ظلت تعمل في صمت لارساء بنية رقمية متكاملة ، لم يكن الطريق سهلا ، رغم التباين بين أصحاب المصلحة والقرار ، وضعف البنية التحتية ، شكل تحديات كبيرة. الا ان الإيمان بجدوى التحول الرقمي كان اقوى من أبرز نتائجها شبكة ألياف بصرية آمنة وسريعة شكلت لبنة لبداية جادة.
رغم المجهودات الكبيرة التي بذلت في هذا القطاع، فإن النتائج لم تكن بمستوى الطموح، خاصة في مجال أنظمة إدارة المستشفيات الحكومية.
فقد تم استجلاب نظام طبي موحد من شركة تركيا ليكون نواة للربط الإلكتروني بين المستشفيات، رغم البدايات المشجعة في بعض المرافق الصحية، إلا أن المشروع لم يكتمل لأسباب متعددة تتعلق بالتنسيق المؤسسي بين الجهات العاملة في المشروع.
ومن المشاريع الرقمية التي أُنجزت في مراحل مختلفة مشروع التطبيب عن بعد بولاية الجزيرة بدعم من دولة اليابان في مساهمتها بتوفير بعض الأجهزة والمعدات، وكذلك مشروع تمليك القابلات أجهزة هواتف ذكية لمتابعة حالات الحمل في ولاية شمال كردفان، وهي تجارب متناثرة لكنها تحمل في جوهرها بذور التحول الحقيقي.
إن هذه الجهود، رغم تباعدها زمانا ومكانا، تؤكد أن الرؤية كانت موجودة، لكنها تحتاج إلى مراجعة شاملة وتوحيد المسار، بتبني أنظمة وتطبيقات حديثة تسهل إدارة القطاع الصحي وتربط بين مؤسساته ومقدمي الخدمة والمواطن.
فالتحول الرقمي في الصحة لا يقتصر على حوسبة الملفات، بل يمتد إلى بناء قاعدة بيانات وطنية تسهم في اتخاذ القرار، وتسهم في توزيع الخدمات وتحسين الاستجابة للطوارئ والأوبئة.
القطاع الصحي من أهم القطاعات — إن لم يكن الأهم — التي يجب أن تعطى الأولوية في مرحلة إعادة الإعمار.
ويتعين أن يشمل الاهتمام استخدام التقانة على نطاق واسع بتطوير أنظمة وتطبيقات سهلة الاستخدام تدعم الرعاية الصحية الأولية والعلاج عن بعد، مع توفير منصات استشارة وتطبيب إلكتروني بالتعاون مع أطباء السودان المنتشرين في كل أنحاء العالم.
وهذه دعوة نوجهها للقائمين على أمر الإعمار أن يولوا هذا القطاع اهتماما خاصا، وأن يحشد له الدعم المتاح لبناء نظام صحي رقمي متكامل كضرورة وطنية وإنسانية تمس حياة المواطن وجودة معيشته.
العمود القادم من آفاق رقمية يتناول التحول الرقمي في وزارة الخارجية.
٥ نوفمبر ٢٠٢٥م



