الرواية الأولى

نروي لتعرف

آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

تجربتي مع المركز القومي للمعلومات (11)

خدمات الشرطة السودانية

د. محمد عبدالرحيم يسن




من بين المؤسسات التي كان لها حضور بارز في مسيرة التحول الرقمي بالسودان، تبرز الشرطة السودانية كواحدة من النماذج التي جسدت الشراكة الحقيقية بين العمل الشرطي والخدمة المدنية الإلكترونية.
فقد كانت الشرطة – بمختلف إداراتها – من أوائل الجهات التي بادرت بتطوير العمل التقني في الدولة ، وحشدت لذلك المستشارين والمهندسين المهرة ، ووطدت صلتها بالمركز القومي للمعلومات، إدراكا منها أن الأمن المجتمعي في عصر الرقمنة لا ينفصل عن المعلومة الدقيقة والموثوقة.
كانت البداية بجهود مخلصة في مشروع السجل المدني، الذي شكل قاعدة بيانات وطنية غير مسبوقة، والذي ربط بين الهوية، والجواز، ورخصة القيادة، وشهادة الميلاد، وغيرها من الوثائق الرسمية. وقد عملت فرق فنية مشتركة بين المركز والشرطة على مدار الساعة لتوحيد المعايير، وبناء منظومة تحقق إلكتروني آمنة.
ومن أبرز المحطات التي أعتز بها في تلك التجربة، التعاون المثمر مع إدارة نظم المعلومات بالشرطة، التي أبدت التزاما عاليا بالمعايير الفنية والإدارية، مما سهل لاحقا إطلاق خدمات إلكترونية متقدمة، من أبرزها الخدمات الهجرية وخدمات المرور ، وخدمات البلاغات وربطها بالنيابات إلكترونيًا.
الربط مع اورنيك مالي ١٥ الإلكتروني لكل المدفوعات الشرطية.
لقد كانت روح الفريق بين مهندسي المركز القومي للمعلومات وضباط الشرطة نموذجا نادرا للتكامل بين الجانب الخدمي والتقني، حيث جمعهم هدف واحد: “تسهيل حياة المواطن وتسريع الإجراءات الحكومية دون الإخلال بالدقة أو الموثوقية”.
ومن التجارب التي تظل مضيئة في الذاكرة تجربة مجمعات خدمات الجمهور، التي كانت نقلة نوعية في مفهوم الخدمة الحكومية الشاملة.
أذكر أن الفريق هاشم الحسين، مدير عام الشرطة حينها، طلب مني الإشراف على المسائل الفنية لهذه المجمعات، وكان أكثر ما يقلقه هو احتمال انقطاع الشبكة وتأثيره على انسياب الخدمة.
وفي تلك الفترة تشرفت بالتعرف إلى الفريق محجوب ساتي، المدير الإداري والمالي بالمؤسسة، وهو رجل جمع بين الحكمة والدعم العملي، وكان لإيمانه بالمشروع أثر كبير في تجاوز الصعوبات الأولى.
قمت بتشكيل فريق فني من خيرة مهندسي المركز القومي للمعلومات، عملوا لأكثر من ستة أشهر متواصلة في تناغم فريد مع مهندسي ومبرمجي الشرطة . ضم الفريق المهندسين أمير محمد يعقوب، أيمن الساعوري، أبوبكر الصديق، زهير عمر، محمد إسماعيل، محمد ميرغني، أحمد محمد صالح، سامح سيد أحمد، والشفيع المحجوب، تحت اشراف المهندس يوسف الطاهر وقد أبدعوا في ابتكار حلول بديلة لضمان استمرارية الشبكة وعدم انقطاعها، حتى في أصعب الظروف التقنية.
وهكذا تم إنشاء مجمعات خدمات الجمهور بالخرطوم، وأمدرمان، وبحري بطريقة احترافية متكاملة، جمعت بين التصميم الهندسي المتقن، والبنية التحتية الذكية، والنظام الإلكتروني المترابط.
كانت هذه المجمعات بحق معجزة وطنية تجسد ما يمكن أن يحققه الإخلاص والإيمان بالمهمة عندما تتلاقى الإرادة مع العلم والخبرة.
اليوم وبعد أن تم تدمير هذه المجمعات ما أحوجنا أن نستلهم العبر ونجدد العزم على إعادة تأهيلها بصورة تليق بالمواطن السوداني.
العمود القادم من آفاق رقمية نقف عند تجربة وزارة العدل في التحول الرقمي.
٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥م.

اترك رد

error: Content is protected !!