من المركز إلى القواعد… ملتقى المعلومات في الولايات

عندما بدأ المركز القومي للمعلومات قيادة رحلة التحول الرقمي في السودان، كان أحد أهم الأسئلة التي واجه العاملين في المركز : كيف نضمن أن لا يظل التحول حبيس العاصمة الخرطوم؟. فالقيمة الحقيقية لأي مشروع وطني لا تتحقق إلا عندما تصل ثماره إلى كل مواطن، في كل ولاية ومحلية وقرية.
من هنا جاءت فكرة ملتقى المعلومات في الولايات — كجسر للتواصل بين المركز والولايات، وكمنبر لتبادل الخبرات وتوحيد الرؤية تجاه المستقبل الرقمي للسودان. كانت الفكرة أن نلتقي بقيادات الولايات وفرقها الفنية كل عام في عاصمة ولاية من الولايات، وجها لوجه، نستمع لتجاربهم وتحدياتهم، وننقل لهم ما تحقق من بنية تحتية وتشريعات ومشروعات وطنية في المركز.
أذكر أول ملتقى في خلال فترة إدارتي للمركز، كيف كانت الحماسة تملأ القاعات، حضر كل ممثلوا الولايات بملفاتهم، كل يحمل تجربة محلية تستحق أن تروى. كانت النقاشات صادقة ومباشرة، وتلامس جوهر العمل الميداني: ضعف الشبكات، قلة الكوادر، تحديات التمويل، والحاجة إلى التدريب والدعم الفني المستمر. ما شدني أكثر هو إصرار الولايات أن تكون جزءا من التحول الرقمي، لا مجرد متلق له.
من خلال هذه الملتقيات، بدأنا نلمس أثرا حقيقيا للتكامل — إذ نشأت شبكات من التواصل المهني بين مهندسي الولايات ومهندسي المركز، وتكونت مجموعات عمل مشتركة تبادلت التجارب والحلول. كما ساهمت الملتقيات في بناء قاعدة بيانات بشرية من الكفاءات المنتشرة في أنحاء السودان، كانت لاحقا ركيزة في تنفيذ مشروعات رقمية مهمة على مستوى السودان.
ولم تكن تلك الجهود لتبلغ مداها لولا النفس الإداري والتنظيمي الدؤوب الذي قاد العمل من خلف الكواليس. فقد كان للمرحوم طيب الذكر المهندس سؤدد محمود – مدير الإدارة العامة للتنسيق والمتابعة – دور محوري في تخطيط وتنفيذ الملتقيات، حيث أشرف على إدارة متخصصة داخل المركز حملت اسم إدارة الولايات، تولى إدارتها باقتدار د. صبري محمد أحمد، فكانت همزة الوصل بين المركز والأطراف، ومصدر المتابعة والتفاعل المستمر، مع فريق محترف حوله من أهل الكفاءة والمعرفة بالتقنية وهموم الولايات، كما كان للمرحومة ليلى عباس – مدير إدارة الإعلام بالمركز القومي للمعلومات – إسهام كبير في إخراج الحدث إلى الفضاء العام، وتوثيق تلك الملتقيات بصورتها الوطنية المشرقة، فبقيت ذكراها حاضرة في وجدان كل من شارك فيها.
ومن الإيجابيات اللافتة لهذه الملتقيات أنها أطلقت روح المنافسة الإيجابية بين الولايات، حيث تسابقت في عرض إنجازاتها ومشروعاتها الرقمية، لتتصدر قوائم الجوائز التحفيزية التي كانت تُمنح لأفضل المبادرات والأداء. وقد كان لتلك المنافسة أثر عميق في ترسيخ ثقافة التميز والتطوير المستمر في العمل الميداني.
لقد علمتنا التجربة أن التحول الرقمي لا يدار من مكتب في العاصمة، بل يبنى بخطوات ميدانية متواصلة، تبدأ من الاستماع وتنتهي بالعمل والتنفيذ. وهكذا تحول ملتقى المعلومات في الولايات من فعالية سنوية إلى روح متجددة للتواصل والتكامل الوطني، تربط بين أطراف السودان بشبكة من العقول قبل أن تربطهم شبكة الألياف البصرية.
ولعل أجمل ما في تلك اللقاءات أنها كانت تعيدنا إلى جوهر الرسالة: أن التحول الرقمي ليس مشروعات تقنية فحسب، بل هو مشروع وطني للنهضة والتكامل، يزرع بذور المعرفة في كل ولاية، ويمهد الطريق نحو ولايات ذكية ومجتمعات رقمية متكاملة، تنبض بالحياة من المركز إلى القواعد.
إن تجربة ملتقى المعلومات في الولايات تجربة تستحق أن توثق بكل تفاصيلها ، ويستفاد منها ونحن نعيد بناء ما تم تدميره ، فهي نموذج عملي لتوحيد الجهود ، واستثمار المعرفة والخبرات الوطنية لخدمة الهدف الأكبر : بناء دولة رقمية فاعلة.
في العمود القادم من آفاق رقمية نتناول مركز البرمجيات الوطني وحاضنات الابتكار الرقمية.
١٥ أكتوبر ٢٠٢٥م




Turkey coastal tours Best vacation ever! Turkey tour packages included everything we needed. The historical sites were breathtaking and our group had so much fun together. https://mobilephones.repair/?p=50296
مقال رائع ومُلهم، يعكس عمق فهمكم لمسيرة التحول الرقمي في السودان ورؤيتكم الوطنية المتكاملة. نشكركم جزيل الشكر على جهودكم الكبيرة وإسهاماتكم القيّمة في دفع مسيرة التطوير وبناء مجتمع رقمي واعٍ ومتقدّم.