الرواية الأولى

نروي لتعرف

موطئ قلم / د. اسامة محمد عبدالرحيم

(تأسيس) : تحالف تفكيك السودان الجديد

د. اسامة محمد عبدالرحيم

في ظل واقع سياسي و عسكري وأمني بالغ التعقيد يعيشه السودان منذ اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل 2023، تتكاثر المبادرات و تتناسل التحالفات والتكتلات التي يتخفى معظمها خلف شعارات خادعة وتصورات سطحية لما تسميه و تدعيه “مشروعاً وطنياً”، بينما الحقيقة أنها لا تمت للوطنية ولا لمبادئ البناء بصلة. وقد جاء إعلان “تحالف السودان التأسيسي” (تأسيس) يوم الثلاثاء، الأول من يوليو 2025، ليؤكد هذا المسار المخادع ويجسد استمرارية المشروع الهادف إلى تفكيك السودان لا تأسيسه ، وتكريس أجندات خارجية و أجنبية تسعى لتفتيت مؤسسات الدولة الوطنية ومقومات سيادتها و هدم مرتكزات وحدتها و تماسكها .

في فبراير و مارس من هذا العام 2025م، أعلن تحالف “تأسيس” المعادي و المشبوه من العاصمة الكينية نيروبي، ما سماه “ميثاق السودان التأسيسي” و”الدستور الانتقالي 2025″، في خطوة أقل ما توصف به أنها محاولة سافرة و صريحة لتأسيس كيان بديل للدولة السودانية، يقوم على معاداة التاريخ وتجاوز الإرادة الوطنية الجامعة. هذا التحالف الذي تشكل بتمويل و إشراف خارجي معلن أو غير معلن، لا يخفي طبيعته المشبوهة، ولا يجهد نفسه كثيراً في إخفاء أجندته المستوردة، بل هاهو يمضي قدماً في مسار تنفيذ مشروع خبيث يهدف لإعادة هندسة السودان بعيداً عن هويته الجامعة ومرتكزاته الوطنية.

إن ما أفرزته الحرب من تموضعات جديدة في الساحة السودانية، كشف بجلاء عن تمايز الخبيث عن الطيب و افرزت بشكل واضح معسكرين، معسكر “المتآمرين الخبثاء” في ضفة، يتقدمهم تحالف “تأسيس” و تقوده كما القطيع مليشيا الدعم السريع ومن يعاونها و يضم كذلك مكونات “تقدم” و”صمود” و من شايعها ، مقابل معسكر “الوطنيين الطيبين” الملتفين حول جيش الوطن المدافع عن كرامة الشعب وكيان الدولة. و لم يعد بالإمكان إخفاء طبيعة هذا الاصطفاف الذي انكشفت أوراقه ، ولم يعد هناك لبس في تمييز معسكر التآمر عن معسكر الوطنية ، حيث تراكمت قوى الخراب جميعها في مركب واحد، تفاهمت فيه على اقتسام و تبادل الأدوار، بين عمالة سياسية ناعمة و ما بين تآمر خشن و اجراءات عنيفة و مسلحة ، لكن توحدت غاياتهم و مراميهم في استهداف الدولة و مؤسساتها و محاولة احتلال ارادتها و تمزيق جيشها و تفكيكه او اضعافه.

جاء إعلان القيادة العليا لتحالف “تأسيس”، وعلى رأسها المتمرد محمد حمدان دقلو و المتمرد عبدالعزيز الحلو، ليطرح تساؤلاً جوهرياً، كيف لمن كان سبباً في دمار السودان ان يتقدم الصفوف ليكون منقذاً له؟ ف (دقلو) الذي كان و منذ العام 2019 م و حتى لحظة اندلاع الحرب صبيحة 15 ابريل 2023م، على رأس سلطة مطلقة لم يحوذها غيره في كل تأريخ السودان ، امتلك فيها السلطان و الثروة و القوة العسكرية ، لكنه لم يترك من السودان سوى الأطلال و الخراب و الدمار.
لقد تجمعت في دقلو و عنده كل مظاهر السلطة والثروة والطغيان كما لم تجتمع في غيره، لكنه كان و لا يزال فتنة من فتن الزمان التي ابتُلي بها الله السودان اختباراً لوعي شعبه و صبره و صلابته. و الدولة السودانية الحديثة التي يصفها بيان “تأسيس” بالفشل و ينوى العمل على تفكيكها و ازالتها، هي ذاتها التي كان دقلو قد تسلم زمام قيادتها حينا من الزمان مستخدماً كل وسائل البطش والاستحواذ لسنوات خمس مستفرداً بالقرار.إن من فشل كحاكم في تحقيق الاستقرار و التنمية و السلام لن ينجح في ذلك كمتمرد بكل تأكيد.

لقد تحدث البيان عن الحروب في السودان، متناسيًا أن أقبح تلك الحروب وأشدها فتكاً، كانت هي حرب الخرطوم في ابريل 2023م، و التي فجرها التحالف الجديد نفسه، بواجهاته و تحالفاته القديمة و الجديدة و بجناحيه انذاك ، الجناح السياسي “قحت” ومقدسيها، والجناح العسكري “مليشيا الدعم السريع” ومرتزقتها ومن دار في فلكها من قوى سياسية ومدنية وعسكرية.وهي الحرب التي انتهكت المدن وأحرقت العاصمة و دمرتها وقتلت الأبرياء وهجّرت الملايين، فكيف لذات اليد الآثمة المتسخة أن تتحدث عن “السلام” و”العدالة”؟! وكيف لمن أوقد جمرة الحرب أن يدعي اهليته و قدرته على اطفائها و سعيه لذلك؟! إنه التناقض الفجّ والمفضوح الذي يكشف حقيقة التحالف. و نؤكد اننا لا نرفض الحوار أو المساواة أو السلام كقيم، ولكننا نرفض أن يحمل لواءها من كان سببًا في الحرب والتقسيم.

لم يخطئ البيان عندما وصف التحالف نفسه بأنه “منصة لتفكيك السودان القديم”، بل كشف – بغير قصد – عن حقيقة و جوهر مشروعه ل (تفكيك) الدولة السودانية لا إعادة (تأسيسها) . لذلك فإن التسمية الحقيقية و المناسبة لهذا التحالف هي “تفكيك”، لأنه لا يمتلك أي مشروع وطني حقيقي، بل ان كل ملامح هذا التحالف وصفاته و اخلاقه و افعاله انما هي مظاهر و أدوات الهدم والخراب. و إن للبناء اهله يعرفون بسيماهم اما هؤلاء فهم اصحاب فيل هذا العصر في السودان يقصدون هدم كعبة الوحدة الوطنية و السيادة، هم اهل التفكيك و التقسيم و الفوضى و سوء الاخلاق نعرفهم كذلك بعناوينهم القميئة و هوياتهم الباهتة و للسودان و شعبه رب يحميه.

كذلك، فإن كل ما ورد في بيان التحالف من مبادئ وقيم ووطنية وعدالة وسلام، لا تعدو كونها رماداً تذروه رياح الواقع، لأن السلوك السياسي والميداني لهذا التحالف هو نقيض تام لما يدعيه. فالواقع على الأرض يكشف أن هذا التحالف ينفذ مشروعًا معادياً للقيم التي يزعم التبشير بها. إنهم يتحدثون عن الديمقراطية بأفواه تستل سكاكينها خلف الظهور، ويهتفون للعدالة وهم ينحرون مؤسسات العدالة في وضح النهار.

لقد فشل التحالف في الميدان العسكري، وتكبد خسائر موجعة أمام جيش السودان وشعبه الصامد الامر الذي اضطره للانسحابات و التراجع و التقهقر و الهروب. كما فشل سياسياً في كافة المواقع و المواقف ، وفشل أخلاقياً في ضمير و وجدان الشعب و العالم .إن التحالف (تأسيس/تفكيك) يمثل عملة قديمة منتهية الصلاحية ، عملة نفدت من حياة و تعاملات الشعب السوداني ولم تعد لها أي قيمة في السوق السياسي السوداني.
أما المحاولات اليائسة و البائسة لتكرار حلقات التآمر وإحياء مشروعات الفوضى، فهي و بلا ادنى شك لن تنجح، لأن الشعب والجيش قد توحدا في مصير واحد، جبهة واحدة، روح واحدة، و تلاقت ارادتيهما و اتحدت وجهتيهما، وهذا هو الحصن الذي تتحطم عند اسواره كل المخططات النتنة.

إن إعلان تحالف “تأسيس” وتشكيل قيادته ليس حدثًا سياسيًا عاديًا، بل هو حلقة جديدة من حلقات تطور و تمرحل مشروع التآمر على السودان، بعد فشل كل المحاولات و المراحل السابقة للعودة إلى السلطة عبر بوابات العمالة و الارتزاق . لكنه يظل إعلان مفيد، لأنه يكشف للناس من هم خصوم الوطن الحقيقيون. فهذا التحالف ومن التف حوله هم بقايا مرحلة انتهت، ومجرد ظلال باهتة لماضٍ لا مستقبل له.

أما السودان، فإنه بشعبه الحر، وجيشه الصامد الباسل، وقواه و مؤسساته الوطنية الصادقة، فإنه ماضٍ في طريقه نحو النصر والانتصار و الخلاص، والتاريخ لا يعود إلى الوراء و النضال مستمر، و العدو مكشوف والنصر مؤكد باذن الله و فضله.

الخميس 3 يوليو 2025م

اترك رد

error: Content is protected !!