الخرطوم : الرواية الأولى
لم تتوقف مواكب المليونيات والاحتجاجات السلمية في كل مناطق السودان منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية المعيبة في أغسطس 2019.
تطورت مطالب الثوار من إصلاح مسار الفترة الانتقالية إلى إسقاط الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري، ورفض الوثيقة الدستورية بتعديلاتها التي أسست لشراكة الدم، ورفعت الجماهير شعار (لا تفاوض، لا مساومة،، ولا شراكة) مع العسكر، وإعلان رفض أي إجراءات لشرعنة انقلاب المكون العسكري في المجلس السيادي بقيادة عبدالفتاح البرهان وبموافقة عبدالله حمدوك وبمساعدة من حلفائهما من الحركات المسلحة من أطراف اتفاقية جوبا، والقوى المدنية الرجعية والليبراليين الجدد المعادين للتغيير الجذري ومن المنسوبين لمنظمات المجتمع المدني ذوي الارتباطات بدوائر الرأسمالية العالمية، ومن رجال أعمال سودانيين ارتبطت مصالحهم بمطامع القوى الإقليمية والدولية في نهب موارد وثروات البلاد.
توصلت الجماهير ومن واقع التجربة أن كل حكومات الفترة الانتقالية التي تكونت بموجب الوثيقة الدستورية لم تعبر عن مطالب الثورة ولا تملك الإرادة وليست لها مصلحة في تطبيق شعارات الثورة على أرض الواقع فلجأت إلى الالتفاف على قضايا التحول الديمقراطي وتجاهلت استكمال مستويات الحكم لأكثر من عامين واستعاضت عن المجلس التشريعي المعبر عن الثورة بمجلس تشريعي مخالف للمبادئ الدستورية والقواعد الديمقراطية في فصل السلطات، ورفضت تكوين المفوضيات المستقلة وإجراء الإصلاحات الضرورية في المؤسسات العدلية، كما رفضت إلغاء القوانين المقيدة للحريات وغير المتسقة مع المعايير الدولية بغرض تعطيل التحقيقات بخصوص المجازر والانتهاكات التي ارتكبها النظام المباد واللجنة الأمنية التابعة له، كما استعاضت عن مفوضية السلام بتكوين المجلس الأعلى للسلام بقيادة العسكر وهذا أمر مخالف لنصوص الوثيقة الدستورية المعيبة، وإبرام اتفاقية جوبا الثنائية والجزئية وتضمينها في الوثيقة الدستورية التي نصت على أن نصوصها تعلو على نصوص الوثيقة الدستورية مما أدى إلى نسف الوثيقة الدستورية نفسها. وتكوين المسارات المناطقية دون مشاورة أصحاب المصلحة من مواطني هذه المناطق. مما أدى إلى الرفض الواسع من الجماهير لهذه المسارات التي لن تحقق السلام المنشود ولن تؤدي إلى عودة النازحين واللاجئين إلى أراضيهم وقراهم لممارسة حياتهم الطبيعية بكرامة وبأمان.
شهدت مناطق النزاعات في دارفور وشرق السودان اعتداءات وتوترات ومواجهات مسلحة أدت إلى قتل أعداد كبيرة من المواطنين العزل بعد حرق القرى وتدمير المحاصيل. هذه الاعتداءات تمت بصورة ممنهجة وبتخطيط من قوى منظمة تهدف إلى الاستيلاء على الأرض الخصبة ومواردها من المعادن التي يزخر بها إقليم دارفور مثال لذلك الهجوم على منطقة جبل مون وما حولها من مناطق أخرى في غرب ووسط وشمال دارفور.
تتحمل حكومة عبدالله حمدوك هذه المسئولية بالكامل في التفريط في الحفاظ على أرواح المواطنين، وحماية السيادة الوطنية وتقديم التنازلات للميليشيات المسلحة وفي نهب ثروات الإقليم، وأغرتهم على مواصلة الاعتداءات عندما قامت بتعويض آل دقلو بملايين الدولارات نظير تخليهم عن مناجم جبل عامر التي استولوا عليها بقوة السلاح وباستخدام سطوة السلطة في عهد المخلوع عمر البشير.
حكومة حمدوك مسئولة أيضًا عما يحدث الآن من تفريط في السيادة الوطنية متمثلة في السماح لشركات تتبع لميليشيات مسلحة تعمل بالتعاون وبشراكة مع دول إقليمية ودولية خاصة في حفرة النحاس وأم دافوق ومناطق أخرى من جنوب كردفان، والنيل الأزرق، وشرق وشمال السودان.
الأرقام المرصودة من جهات خارجية مختلفة تؤكد أن كمية صادرات الذهب السوداني أقل بكثير من الكميات المسجلة رسميًا في الداخل، الأمر الذي يؤكد أن كميات كبيرة من الذهب يتم تهريبها بطرق مختلفة. هذا يفسر تكالب بعض الدول والمؤسسات المالية العالمية في مساندة الانقلاب والاتفاق السياسي المبرم بين البرهان وحمدوك وفرض الشراكة على الشعب السوداني.
تواصل قوى الهبوط الناعم ووكلاء دوائر الرأسمالي. العالمية في الداخل محاولاتهم في اختراق قوى الثورة الحية وتفتيت وحدتها عن طريق الاستقطاب وزرع الشقاق بينها وبين القوى السياسية الثورية تارة وتارة أخرى الترويج لهيكلة لجان المقاومة بصورة عمودية وبناء قيادة رأسية يسهل السيطرة عليها وتفريغها من محتواها الثوري بديلًا عن العلاقة التنسيقية المجربة والتي أثبتت نجاحها وفعاليتها طوال فترة الثورة. وفي ذات الاتجاه طرحت بعض مكونات قوى الحرية والتغيير مشروع سياسي لما تبقى من الفترة الانتقالية دعمًا للشراكة مع العسكر ولاتفاقية عبدالفتاح البرهان وحمدوك استباقًا لمواكب يوم 19 ديسمبر وبهدف إرباك الساحة السياسية وفتح ثغرة للقوى المضادة للثورة لإحداث انشقاقات في وسط الحركة الجماهيرية الثورية الصاعدة، هذا المشروع يعتمد في الأساس على الشراكة مع اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ المباد وعلى قوى انقلاب 25 أكتوبر 2021 وعلى الوثيقة الدستورية التي تجاوزتها حركة الجماهير وعلى اتفاقية جوبا وجعلها أساس للسلام. والعودة لنفس السياسات الاقتصادية التي تسببت في رفع معدلات الغلاء بصورة غير مسبوقة فأدت إلى تدمير المواسم الزراعية وتدهور الخدمات العامة الضرورية.
غاب على أصحاب مشروع الإعلان السياسي مستوى الوعي السياسي المتقدم لشعب السودان المعلم ونضاله الدؤوب طيلة فترة الثلاث أعوام من عمر الثورة لتحقيق شعاراتها العظيمة وتحديد موقفه بعبقرية برفع شعار لا تفاوض- لا مساومة- لا شراكة مع العسكر، ورفضه لشرعنة انقلاب 25 أكتوبر 2021 واتفاقية 21 نوفمبر 2021.
لهذا يدعو الحزب الشيوعي السوداني جماهير الشعب السوداني للخروج والمشاركة في مواكب المليونية السلمية يوم 19 ديسمبر 2021، في الذكرى الثالثة لاندلاع الثورة وعلى طريق إسقاط الانقلاب واستكمال الثورة للوصول إلى غاياتها في الحرية والسلام والعدالة..
المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني
18 ديسمبر 2021م