
1
لا شك أن بنك السودان لعب دورًا محوريًا في معركة الكرامة؛ فهو من أوائل المؤسسات التي تماسكت وعملت في ظروف صعبة، واستطاع هو ووزارة المالية أن يعبرا بالبلاد أخطر مرحلة صعبة في تاريخها المعاصر. لابد من تقديم الشكر للأستاذ برعي الصديق، المحافظ السابق لبنك السودان، على مجهودات كبيرة قام بها خلال تلك الفترة العصيبة.
2
الآن بدأ بنك السودان يخطو بثبات نحو المستقبل من خلال ثلاثة محاور يعمل عليها.
التحول المؤسسي الذي يجري في مجال الشمول المالي، الذي طالما تلكأ بنك السودان في بناء أسسه وبرامجه وآلياته. بل تلكأت الدولة كلها في تبنى استراتجية وطنية للتحول الرقمى والشمول المالى كبقية الدول في العالم ..على الرغم من ان اصواتاً متعددة دعت منذ العام ٢٠١٧ ابناء تلك الاستراتجية ولكن لاحياة لمن تنادى .
الآن ينشئ بنك السودان المركزي إدارة جديدة للشمول المالي لتعزيز الوصول للخدمات المصرفية، وهي خطوة تُعدّ الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب وما صاحبها من اضطراب اقتصادي واسع. لعلها تكون الخطوة الاولى في بناء تلك الاستراتجية.
تشمل المهام الأساسية للإدارة وضع استراتيجية وطنية للشمول المالي بالتنسيق مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص، إضافة إلى خدمات الدفع الرقمي وتسهيل الحصول على الحسابات المصرفية الأساسية. تنظيم عمل المحافظ الإلكترونية وضمان وصولها لمناطق خارج المدن الكبرى. التمويل الأصغر ودعم المشروعات متناهية الصغر للنساء والشباب. حماية المستهلك المالي عبر معايير واضحة للتسعير والشفافية.
وتشير تقديرات أولية إلى أن أكثر من 70% من السودانيين خارج النظام المالي الرسمي، فيما ازداد الاعتماد على طرق الدفع غير الرسمية والتحويلات عبر وسطاء، ما يرفع مخاطر الاحتيال وغسيل الأموال.
إن تعزيز الشمول المالي يُعدّ عنصرًا أساسيًا لعودة النشاط الاقتصادي ولذلك أعتقد أن أول خطوة للسير نحو المستقبل ينبغي أن تمضي باتجاه الاستفادة القصوى من التقنيات الرقمية لتطوير العمل المصرفي. تأسيس هذه الإدارة خطوة ممتازة نحو المستقبل.
3
الخطوة الأهم في ذات السياق هي الدفع بمنصات خدمات جديدة من أجل خلق بيئة تنافسية متعددة الأقطاب. فبدلًا من اعتماد الدولة كلها والشعب على خدمة وحيدة لبنك واحد وهو بنك الخرطوم، الذي لعب دورًا عظيمًا خلال فترة الحرب، بالإمكان فتح الآفاق شتى. وقد بدأ العمل بالفعل من خلال تطبيق “سيطلة” ببنك أفريقيا والخليج مع سوداتل، ومنصة “سدد” مع بنك البلد، إضافة إلى تطبيقات ستطلقها زين بالتحالف مع بنك فيصل وغيرها من المنصات تحت الإعداد.
كل العالم يتجه بسرعة نحو الاقتصاد الرقمي، ومع هذا التحوّل لم يعد الاعتماد على وسيلة دفع واحدة كافيًا لتلبية احتياجات المستهلكين أو دعم استمرارية الأعمال. لذلك برزت أهمية تعدّد منصات الدفع الإلكتروني — وخاصة التطبيقات الحديثة — بوصفها عنصرًا أساسيًا في تعزيز الثقة، وتوسيع قاعدة المستخدمين، وضمان جاهزية المنظومة المالية لمختلف الظروف.
عندما تتوفر أمام المستخدم عدة خيارات للدفع — من التطبيقات البنكية، إلى المحافظ الرقمية، إلى الدفع عبر QR، والدفع بالهاتف دون تلامس — فإنه يشعر بأن العملية أكثر سلاسة وأمانًا.
كما أن وجود أكثر من منصة يدعم استمرارية الأعمال؛ فإذا تعطلت إحدى التطبيقات أو واجهت ضغطًا كبيرًا، تبقى القنوات الأخرى جاهزة لتولي المهمة دون تأثير على العمليات اليومية. هذا التنوع يقلل المخاطر التشغيلية ويمكن المؤسسات من الحفاظ على مستوى خدمة مستقر. تعدد المنصات والتطبيقات خطوة تفتح المجال أمام الابتكار، وتهيئ البنية التحتية لمستقبل رقمي أكثر قوة ومرونة.
4
إن الخطوة الجريئة الأكثر إثارة التي قام بها بنك السودان بعد وصول آمنة ميرغني لإدارة البنك (وما أدراك ما “آمنة ميرغني” بت الأصول… هي أميز بنات جيلنا شطارة وفهمًا وكياسة وحسًا اجتماعيًا ووطنيًا. وللذين يهرفون بما لا يعلمون: تركت آمنة حين دعاها الوطن خلفها وظيفة توفر لها راتب ولافى الأحلام وسيارة “رولز رويس” وفيلا على البحر الأبيض المتوسط، تركت كل ذلك وهرولت إلى حيث للضنك حمى قاتلة. من غيرها يفعل ذلك… خالص التحايا).
الخطوة الأكثر إثارة كما قلت هي نسف بدعة “محفظة السلع الاستراتيجية” التي تحتكر كل السلع الاستراتيجية وتجعلها تحت إمرة بنك واحد تحت غطاء أن البنوك لا تملك أصلًا موارد. وكانت البنوك تربح من استيراد المواد البترولية وتنتعش بها خزائنها، ولكن تلك الموارد نُزعت منها وخُصصت لبنك واحد. لم يكن ذلك عدلًا، وهذا غير الأضرار التي سببتها المحفظة للأسواق الداخلية والخارجية وانعكاس كل ذلك على المواطن. ولطالما ما جادلت محافظ البنك المركزى السابق الأخ برعي الصديق في خطورة ذلك القرار، ولكن كان له رأى آخر.
نواصل




