الرواية الأولى

نروي لتعرف

من زاويةٍ أخري / محمد الحاج

بل بس يا بكري الجاك و حل بس بشروط الشعب السوداني و جيشه

محمد الحاج

كتب بكري الجاك مدونة علي الفيس بوك اليوم ١٣ اغسطس ٢٠٢٥ تحت اسم “حل بس” في محاولة لتبرير موقف سياسي متخاذل، يتخفى خلف شعارات السلام بينما يتجاهل الحقائق الصلبة التي تحكم الواقع السوداني اليوم. الكاتب، الذي كان جزءاً من منظومة “الحرية والتغيير”، يتحدث وكأنه مراقب خارجي، متناسياً أنه كان في قلب الفشل السياسي الذي أوصل البلاد إلى هذه اللحظة الحرجة. يتحدث عن الحرب وكأنها حالة عبثية نشأت من فراغ، بينما يتجاهل أن من أشعلها هو مشروع خارجي واضح المعالم، له ذراع عسكري هو مليشيا الدعم السريع، وذراع سياسي تم تأسيسه لاحقاً تحت مسميات مثل “تقدم” و”صمود”، في محاولة مكشوفة لإعادة تدوير المليشيا في ثوب مدني.

حين يقول الكاتب إن “من بين هذه اللبنات أنه يجب أن لا نساوي بين الجيش والدعم السريع”، فهو يخلط عمداً بين الحقائق. كيف يمكن أن يُساوى بين جيش وطني، مهما كانت عليه تحفظات، وبين مليشيا عشائرية قامت على الولاء القبلي والمحسوبية، وتورطت في جرائم حرب موثقة! الجيش، رغم اختراقاته، يظل مؤسسة الدولة، بينما الدعم السريع هو أداة لتفكيكها. هذه المساواة ليست سوى محاولة لتضليل الرأي العام، وتبرير موقف الحياد الذي يتبناه الكاتب، والذي لا يمكن وصفه إلا بالخيانة الناعمة.

يتساءل بكري الجاك : “ما لا أتفهمه أن يرفض أي من ذوي الفطرة السليمة السلام عبر الحل السياسي المتفاوض عليه” متناسياً حقيقة مليشيا الدعم السريع هي التي رفضت تنفيذ مخرجات جدة وبأن الجيش لم يرفض التفاوض وأن الحقيقة أن ما يُسمى “الحل السياسي التفاوضي ” الذي سعى له بكري الجاك و شلته كان منذ البداية وسيلة لشرعنة وجود الدعم السريع، وإعادة إنتاج مشروع خارجي على حساب وحدة السودان. الحياد يا سيد بكري الجاك في هذه اللحظة ليس موقفاً عقلانياً، بل هو تواطؤ مع مشروع تفكيك الدولة. وحتى لو افترضنا أن الجيش مخترق من الإسلاميين، فهل الإسلاميون يشكلون قبيلة؟ هل هم مليشيا؟ هل هم أسرة؟ المقارنة هنا عبثية، وتكشف عن خلل في منطقك الذي يحاول أن يصنع توازناً زائفاً بين طرفين لا يجمع بينهما شيء سوى السلاح.

كيف لك يا بكري الجاك أن تتحدث اليوم عن السلام و انت كنت جزء من منظومة “قحت” التي فشلت في إدارة المرحلة الانتقالية، وتجاهلت مطالب الثورة، بل وتماهت مع مشاريع خارجية. أين كنت حين تم تهميش لجان المقاومة! أين كنت حين تم تمرير اتفاقيات مشبوهة! أين كنت حين تم تجاهل العدالة الانتقالية! هذا الخطاب لا يمكن أن يُفصل عن سياق تاريخي من التخاذل السياسي، والارتهان للخارج و أنت كنت تعلم تماماً ما دار خلف الكواليس، و تعلم كيف تم التخلي عن الثورة، وكيف تم تسليم القرار السياسي لقوى إقليمية لا ترى في السودان سوى ساحة نفوذ.

بعد كل الذي تم تأتي الان لتحدثنا عن الانتقال من “بل بس وجغم بس” إلى “حل بس” وداير تختزل الأزمة في اللغة، وكأن المشكلة في الشعارات. المشكلة ليست في العبارات يا بكري الجاك، بل في المواقف. من وقف خلف جيشه، وقف خلف وحدة السودان، ومن وقف خلف مليشيا الدعم السريع، وقف خلف مشروع تفكيك الدولة. لا يمكن أن نساوي بين من دافع عن وطنه، وبين من ارتضى أن يكون أداة في يد الخارج. هذه ليست لحظة حياد، بل لحظة انحياز كامل للثوابت الوطنية، مهما كانت التضحيات.

يا بكري الجاك، الذي يدعي الحرص على السلام، لا يتجاهل أن السلام لا يُبنى على مساواة بين الوطن والمليشيا، ولا على حياد في وجه مشروع تفكيك الدولة. السلام الحقيقي يبدأ بالانحياز للثوابت، لا بالتخلي عنها
١٣ اغسطس ٢٠٢٥

اترك رد

error: Content is protected !!