
عندما نتحدث عن التحول الرقمي، فإننا نتحدث عن رحلة طويلة تبدأ بخطوة. واليوم نعيش واحدة من تلك البدايات التي تستحق التقدير، إطلاق منصة “بلدنا” (baldna.gov.sd)، البوابة القومية الموحدة للخدمات الحكومية الإلكترونية في السودان، والتي تقودها وزارة التحول الرقمي والاتصالات بخطى واثقة نحو المستقبل، ضمن مشاريع برنامج المائة يوم ٣x٣.
المنصة تمثل فكرة جوهرية في بناء الحكومة الرقمية، حيث تجتمع الخدمات الحكومية في موقع واحد، يتيح للمواطن أن ينجز معاملاته بسهولة وشفافية، سواء في استخراج الوثائق، أو سداد الرسوم، أو التقديم للخدمات العامة، فضلا على متابعة الطلبات إلكترونيا دون حاجة إلى مراجعة المكاتب أو التعاملات الورقية.
صحيح أن المشروع في بداياته، وأن الطريق ما زال طويلا، ولكنها بداية عظيمة ولدت من رحم التحديات. فإن لم يولد نظام التشغيل البسيط DOS، لما عرفنا اليوم Windows، ولا لاحقا Android. تلك المحاولات الأولى كانت حجر الأساس لبناء أنظمة عملاقة غيرت وجه العالم الرقمي.
ولا شك أنها بداية موفقة، ولتكتمل الصورة نحتاج إلى بعض المراجعات البسيطة. فالهوية البصرية، رغم جمالها وبساطتها، إلا أنني اجتهدت في البحث عن مرجعيتها السودانية فلم أجدها حاضرة بما يكفي، كما أن المنصة تحتاج — في هذه المرحلة — إلى أن تظهر أسماء كل الخدمات المتاحة والمؤسسات المرتبطة بها بشكل واضح، حتى يسهل على المستخدم الوصول المباشر إلى الخدمة دون عناء البحث أو التنقل بين الصفحات.
لهذا، فإننا بحاجة إلى التعاون الكبير والنقد البناء الهادف، لا النقد الهادم. نحتاج أن نعمل معا — مؤسسات وأفرادا— لتطوير المنصة حتى تبلغ غاياتها الكبرى، فيكون لموقع “بلدنا” وضع مميز بين الأمم، ونعتمد عليه في إنجاز كل خدماتنا، ونتجاوز معه مرحلة “الدفع الورقي” إلى عالم رقمي متكامل.
وزارة التحول الرقمي والاتصالات تستحق التقدير على هذه الخطوة الرائدة، التي تمثل بداية لبناء سودان رقمي موحد، يعكس وجها جديدا للدولة الحديثة، ويقرب الخدمات من المواطن أينما كان.
ولضمان استمرار هذا الجهد وتكامله بين مؤسسات الدولة، فإن الوقت قد حان لتكوين هيئة للتحول الرقمي برئاسة رئيس مجلس الوزراء، لتكون المرجعية العليا التي تنسق وتدعم جهود وزارة التحول الرقمي والاتصالات، وتسندها في بناء البنية المؤسسية، لتقوم كل وزارة ووحدة حكومية بدورها في إطار رؤية وطنية واحدة تدار من خلال هذه الهيئة.
١٦ أكتوبر ٢٠٢٥م.