الرواية الأولى

نروي لتعرف

هموم وقضايا / السفير د. معاوية التوم

بعد لقاء زيورخ .. البرهان وواشنطن على أعتاب مرحلة جديدة في الملف السوداني

السفير د. معاوية التوم

في خطوة غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب في السودان، التقى رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بكبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والشرق الأوسطية والأفريقية، مسعد بولس، أمس الاول الإثنين في مدينة زيورخ السويسرية، بوساطة قطرية محكمة السياج، وفي أجواء من التكتم الشديد. اللقاء، الذي جرى على شاطئ بحيرة زيورخ، حمل في طياته رسائل سياسية وأمنية ودبلوماسية قد تعيد رسم مسار التعاطي الأمريكي مع الأزمة السودانية، رغم المحاذير التي خلفتها التجارب.

رسائل اللقاء:إعادة التموضع الأمريكي

مصادر دبلوماسية كشفت أن اللقاء جاء بطلب من واشنطن، في مؤشر على رغبة الإدارة الأمريكية في تغيير النهج الذي اتبعته في المرحلة السابقة، خصوصًا في عهد مساعدة وزير الخارجية السابقة مولي فيي، التي اتُّهمت بمحاولة تعقيد العلاقات بين السودان وفريق الرئيس السابق دونالد ترامب.، وكذا جيفري فيلتمان مبعوث الرئيس للشرق الأوسط وأفريقيا.
البرهان استغل اللقاء وهو مسنود بالجيش وبمجلس الامن والدفاع والسند الشعبي المتعاظم ، والانتصارات التي تحققت ميدانيا ليؤكد رفض الحكومة السودانية لأي وجود لميليشيا الدعم السريع في مستقبل البلاد، مشددًا على ضرورة تفكيكها ومحاكمة قادتها، ومشيرًا بأصابع الاتهام إلى دولة الإمارات بوصفها طرفًا رئيسيًا في تغذية الحرب واستمرارها.

الوساطة القطرية وعودة الدوحة إلى المشهد

حضور الوساطة القطرية في هذا اللقاء يعيد الدوحة إلى واجهة الملف السوداني، وحرصها قيادتها على مساندة السودان، بعد أن غابت او غٌيبت نسبيًا لصالح أدوار سعودية وإماراتية. الطائرة الأميرية القطرية التي أقلت البرهان من وإلى بورتسودان، لم تكن مجرد وسيلة نقل، بل مؤشر على دعم سياسي ودبلوماسي متجدد من جانب قطر، قد يفتح الباب لتنافس إقليمي على التأثير في مسار الحرب والسلام بالسودان.

البحر الأحمر ومكافحة الإرهاب: أوراق ضغط جديدة.

من جانبه، أبدى مسعد بولس رغبة واشنطن في بناء علاقة مباشرة مع السودان، مؤكدًا أهمية التحول المدني الديمقراطي، لكن بشروط عملية تستبعد أي أطراف تواجه تهماً جنائية دولية.
بولس أشار كذلك إلى أن الأمن في البحر الأحمر ومكافحة الإرهاب يمثلان أولوية أمريكية، وهو ما يمنح الجيش السوداني ورقة ضغط إضافية، إذ تلتقي مصالحه مع القلق الأمريكي المتزايد بشأن أمن الممرات البحرية الإقليمية وما جرى ويجري بباب المندب.

غياب الدعم السريع.. إشارة لافتة

غياب أي دعوة أو مشاركة لميليشيا الدعم السريع في هذه المباحثات، سواء مع الجانب الأمريكي أو السوداني، يحمل دلالة سياسية واضحة. وفي ظل الجهود المتصاعدة داخل الكونغرس لتصنيف الميليشيا كمنظمة إرهابية، قد يشكل هذا الغياب بداية مرحلة جديدة من الضغط الدولي عليها من شأنها ان تعزز من فرص التفاؤل وتغيير الموازين إن صدقت النوايا.

خريطة علاقات إقليمية ودولية جديدة:

اللقاء ألقى بظلاله على شبكة العلاقات المعقدة بين الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين في الملف السوداني. ففي المحور المحلي، يبرز الجيش السوداني بقيادة البرهان في مواجهة مباشرة مع ميليشيا الدعم السريع، التي تحظى بدعم إماراتي مباشر. إقليميًا، عادت قطر إلى الواجهة عبر وساطتها، في توازن حساس مع أدوار السعودية والإمارات ومصر. أما دوليًا، فقد فتحت واشنطن قناة اتصال عالية المستوى مع الخرطوم، بالتوازي مع تحركات الرباعية (أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات) والاتحاد الأفريقي. هذه الخريطة تكشف عن نقاط التقاء (مثل أمن البحر الأحمر ومكافحة الإرهاب) وأخرى للصدام (مثل مصير الدعم السريع ودور الإمارات)، مما يجعل المرحلة المقبلة ساحة لإعادة توزيع النفوذ وترتيب الأولويات في السودان والمنطقة

السيناريوهات المحتملة لما بعد اللقاء

▪️تسريع المسار السياسي: الولايات المتحدة قد تدفع نحو إطلاق عملية سياسية جديدة، مع تعزيز موقف الجيش في مواجهة الدعم السريع واستكمال مسار التحرير.

▪️ترتيبات أمنية قبل التسوية : احتمال استمرار اللقاءات غير المعلنة لترتيب تفاهمات حول البحر الأحمر ومكافحة الإرهاب قبل أي اتفاق سياسي شامل، وتعزيز البناء المدني للدولة من النقطة التي يقف عليها الآن.
▪️رد فعل إقليمي مضاد : قوى إقليمية، وعلى رأسها الإمارات، قد تتحرك لإفشال أي مسار يضعف نفوذها في السودان، او يخرج حلفائها من المشهد.
▪️التصعيد ضد الدعم السريع : تعزيز الجهود الأمريكية والدولية لتصنيف الميليشيا ككيان إرهابي، خصوصًا مع استمرار حصار الفاشر وتصعيد الهجمات على المدنيين واستمرار سلاح التجويع.

خاتمة

لقاء زيورخ لم يكن اجتماعًا بروتوكوليًا عابرًا، بل خطوة وازنة في علاقات البلدين، قد تمهد لتحولات مهمة في الموقف الأمريكي من الحرب في السودان وسياقاتها.
وان نتائج هذا اللقاء ستعتمد بدرجة كبيرة على ديناميات السياسة الأميركية الداخلية واللولبيات ذات التأثير ، ومواقف القوى الإقليمية المتدخلة في الشأن السوداني ، إذا ما أحسن الطرف السوداني الرسمي استثمار هذا الانفتاح، وتمسكه بالمواقف التي عبر عنها بقوة ازاء اي تسوية قادمة.. هذه الخطوة بامكانها أن تكون بداية مسار جديد يعيد ترتيب أوراق الأزمة داخليًا وإقليميًا، وبصفة خاصة مع دول الجوار التي تصطف مع المليشيا. في ظل تحولات كبيرة في كابينة القيادة والأجهزة الأميريكية ، وقد تفتح نافذة أمل لوقف نزيف الحرب وإعادة خطى بناء الدولة والتوجه لمرحلة التاهيل والإعمار .

١٣ أغسطس ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!