الرواية الأولى

نروي لتعرف

الرواية الأولى / مجدي عبدالعزيز

برنار هنري ليفي … حين ينطق الضمير الحر بالحقيقة السودانية

مجدي عبدالعزيز

▪️في زمن غاب فيه الصوت العادل عن معاناة السودان، ووسط تجاهل دولي مريب لحرب تمزّق بلداً عظيماً بحضارته، وتفتك بشعبه بآلة تدمير ممنهجة، يخرج علينا أحد أبرز وجوه الفكر والفلسفة في أوروبا، الكاتب الفرنسي الشهير برنار-هنري ليفي، ليقول الكلمة التي انتظرها السودانيون طويلاً: إنها ليست حرباً قبلية، ولا صراعاً على النفوذ بين جنرالات. إنها، ببساطة، حرب إرهابية تقودها مليشيا متمرّدة مدعومة من الخارج، تحاول اختطاف السودان من جوهره ومكانته ومصيره.

▪️في ظهوره القوي على برنامج BFM Story على قناة BFM TV، رسم ليفي صورة مأساوية ولكن صادقة لما يجري في السودان، بلد ال 45 مليون نسمة، الذي نزح منه أكثر من 12 مليون إنسان بفعل العنف الوحشي الذي تمارسه ما تُعرف بمليشيا “الدعم السريع”، أو كما سماها ليفي صراحة: الجنجويد المدعومة من الإمارات.

▪️لكن الأهم من ذلك، أن الفيلسوف الفرنسي لم يكتفِ بوصف المشهد، بل أعاد تعريف هذه الحرب من جذورها : ليست كارثة إنسانية فقط، بل مشروع سياسي دموي يهدف لتأسيس “دولة تهريب” على أنقاض الدولة السودانية، دولة تُباع للطامعين الإماراتيين أو للقوى الخارجية، مقابل حفنة مصالح، وعلى حساب حضارة ضاربة في التاريخ.

▪️لقد ذهب ليفي إلى أبعد مما تجرأ عليه كثيرون، وسمّى الأشياء بمسمياتها: قائد المليشيا، “جنرال إرهاب”، وجرائم الحرق والنهب والاغتصاب والقتل الممنهج هي جرائم تفوق في وحشيتها ما ارتكبته داعش والقاعدة. والأفظع من ذلك، كما قال، أن هذه الممارسات ليست فقط إجرامية، بل تمثّل “إرهاباً بالمعنى الكلاسيكي للكلمة”.

▪️وأمام عدسات الكاميرا، وعبر صور الخرطوم وطريق الأبيض والفاشر التي عُرضت خلال البرنامج، أطلق ليفي صرخته: “لا أحد يعرف، لا أحد يهتم. وهذه، بالنسبة لي، أكبر مظلمة في العالم”.

▪️لقد مثّل هذا الظهور نقلة نوعية في توصيف الحرب السودانية في الوعي الأوروبي، بل العالمي. لأن من تحدث ليس دبلوماسياً، ولا ناطقاً باسم حكومة، بل ضمير ثقافي حر لا يُتهم بالمحاباة ولا بالتبعية، بل يُصغى إليه حين يتكلم.

▪️وفي ذات السياق، نقل برنار-هنري ليفي رسالة واضحة من الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، إلى المجتمع الدولي، مؤكداً أن البرهان، وبالرغم من تعقيدات المشهد، يقدّم الكثير من أجل استعادة الدولة، مطالباً بإنهاء “حالة الخلط” التي تسوّي بين الجلاد والضحية في الخطاب الدولي.

▪️وأشار ليفي، في إحاطة دقيقة، إلى أن في السودان حكومة شرعية، بقيادة مجلس سيادة ورئيس وزراء مدني، تواجه مليشيا إرهابية مسنودة خارجياً، ترتكب جرائم ضد المدنيين وضد الإنسانية. كما لفت إلى تناقضٍ فاضحٍ في تكوين مجموعة “الرباعية”، التي تضم الإمارات، رغم ما يوجَّه إليها من اتهامات بدعم المليشيا. لكنه أشار إلى أن الخطأ ليس قدراً، ويمكن تصحيحه إن اختارت أبوظبي مراجعة مواقفها.

▪️إنّ ما قاله ليفي في باريس، وسُمِع في عمق أوروبا، هو في حقيقته ما نصرّ عليه نحن في السودان منذ اليوم الأول: هذه حرب ضد الدولة، ضد الشعب، ضد النسيج الاجتماعي، ضد التاريخ والجغرافيا، ضد العقل والضمير. وهي حرب لن تُفهم على حقيقتها إلا إذا تساقطت الأقنعة، وتمّت تسمية المعتدي باسمه الكامل، وداعميه بوصفهم الحقيقي.

▪️وحين يفعل ذلك صوت بحجم برنار-هنري ليفي، فنحن أمام لحظة مفصلية، علينا أن نُبني عليها ونُراكم، لا أن نفرّط فيها.

▪️إن صوت هذا الرجل، في باريس، قد يكون أقوى – للأسف – من كل استغاثات الفاشر ، ومآسي الجنينة، ودموع نيالا. فهل من يسمع ايها العالم الصمم ؟ وهل من يتحرك أيتها القوي الدولية مزدوجة المعايير ؟

،، والي الملتقي ..

اترك رد

error: Content is protected !!