برعايته لاتفاق السلام بين الكونغو ورواندا .. ترامب يختطف الكنز الإفريقي ويضع يده على 24 تريليون دولار
“ترامب” يطارد النفوذ الصيني في القارة السمراء ويحاصر “الحزام والطريق” ..

تقرير يكتبه : خالد محمد علي
▪️سلام “ترامب” يعني نهب الثروات ..
▪️في جولة استعمارية جديدة.. نهب منظم لكنوز إفريقيا المعدنية ..
كشفت صحف أمريكية وإفريقية عن السر الحقيقي وراء اهتمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإنهاء الصراع بين الكونغو الديمقراطية وروندا، ورعايته لاتفاق السلام الذي وقع في واشنطن الجمعة الماضية، 27 يونيو.
وأوضحت تقارير متعددة في هذا الشأن أن الرئيس الأمريكي الذي يتحرك وراء الصفقات التجارية قد نجح بالفعل في شق الطريق لبلاده للسيطرة على أكبر كنز في العالم وهو الوصف الذي يطلق على دولة الكونغو الديمقراطية التي تقدر ثرواتها المعدنية بـ 24 تريليون دولار، وإضافة إلى روندا الغنية أيضًا بالمعادن كان الدافع الأساسي للرئيس الأمريكي وضع يده على مناجم المعادن التي تحتاجها شركات التكنولوجيا والطائرات والصواريخ الأمريكية كي يحقق الرجل شعاره حول أمريكا عظيمة أولا.
وفي تعاون مع قطر، أحد المسهلين الماليين لتحركات ترامب، نجح الرئيس الأمريكي في اقتحام أرض الكنوز تمهيدًا لطرد الشركات الصينية التي تهيمن على 80 % من إنتاج المعادن في الكونغو الديمقراطية.
واستنسخ ترامب وصفة الصين للاستيلاء على تلك المعادن، والخاصة بشعار البنية الأساسية مقابل التنقيب، حيث تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 4 مليارات دولار لمشروع ممر لوبيتو ، وهومبادرة بنية تحتية تربط ساحل أنجولا الأطلسي بجمهورية الكونغو الديمقراطية عبر زامبيا.
ولم يترك ترامب فرصة لضياع الوقت، وقد بدأ على الفور بعقد اتفاق لاستغلال المعادن مع الكونغو الديمقراطية من ناحية، واتفاق ثاني مع روندا من ناحية أخرى.
أسباب الصراع
واشتد الصراع الممتد لـ 30 عامًا بين روندا والكونغو الديمقراطية بعد المساندة العلنية لحركة إم 23 المعارضة لنظام الحكم في كينشاسا، والتي نجحت خلال هذا العام في السيطرة على أجزاء واسعة من شرق الكونغو وهو ما هدد بإشعال صراع مباشر بين البلدين.
وقد اكتسبت روندا نفوذًا كبيرًا في مجال استخراج المعادن في شرق الكونغو من خلال دعمها لجماعة إم23 المتمردة التي تقاتل جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقد احتكرت إم23 تصدير الكولتان إلى رواندا، الذي يُباع بعد ذلك في السوق الدولية.
وتشير التقديرات إلى أن المتمردين في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية صدّروا ما لا يقل عن 150 طنًا متريًا من الكولتان إلى رواندا بشكل احتيالي العام الماضي، وهو ما وصفه خبراء الأمم المتحدة بأنه أكبر عميلة فساد لسلسلة توريد المعادن في المنطقة.
مخططات أمريكية
سعت الولايات المتحدة جاهدةً لتعزيز مرونة سلسلة التوريد وضمان وصول الأمريكيين إلى هذه المعادن الأساسية.
نتيجةً لاتفاق السلام، تُجري الولايات المتحدة حاليًا مفاوضاتٍ بشأن اتفاقية معادن مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، واتفاقيةٍ منفصلة مع رواندا، يُتوقع أن تُدرّ مليارات الدولارات من الاستثمارات الأمريكية على المنطقة. وبالنسبة للحكومة الأمريكية، كان الوصول إلى المعادن الثمينة في المنطقة حافزًا للمساعدة في إنهاء الحرب.
إن إنهاء الحرب من شأنه أن يزيل أحد أكبر العوامل المعرقلةللاستثمار في المنطقة، مما يفتح الباب أمام زيادة استثمارات القطاع الخاص الأمريكي في وسط أفريقيا.
ومن بين الشركات التي تستعد للاستفادة من السلام المستدام في المنطقة شركة كوبولد ميتالز، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لاستكشاف مواقع تعدين جديدة، حيث أعلنت الشركة مؤخرًا أنها ستوسع عملياتها لتشمل جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي مايو الماضي، أفادت التقارير أن كوبولد توصلت إلى اتفاق مبدئي لشراء حصة شركة تعدين أسترالية في منجم ليثيوم كونغولي.
ويكتسب اهتمام شركة كوبولد بالكونغو أهميةً بالغة، إذ ساهم كبار المستثمرين فيها في جهود ترامب السياسية؛ فقد تبرع كلٌّ من مارك أندريسن، الذي تمتلك شركته أكبر حصة في شركة كوبولد للمعادن، وبن هورويتز، وهو ممول آخر من شركة كوبولد، بمبلغ 2.5 مليون دولار لحملة ترامب الانتخابية، كما ساهم مالكي الشركة بمليون دولار في حفل تنصيب ترامب.
وبالإضافة إلى دعم المعاملات التجارية لأولئك الذين ساهموا في حملته الانتخابية وتنصيبه، فإن تعزيز اتفاقية السلام باتفاقيات المعادن يوفر لترامب أيضاً الفرصة لتعزيز الصناعات الأميركية الرئيسية التي تعتمد بشكل كبير على المعادن الحيوية التي توجد مناجمها بكميات كبيرة في جميع أنحاء وسط أفريقيا.
ويستخدم ترامب ثنائية السلام والمعادن كسلاح فعال في مواجهة النفوذ الصيني في إفريقيا وأسيا في إطار صراع الدولتين العظميين للهيمنة على المعادن باعتبارها الطريق الأكثر أهمية الآن للتربع على عرش الاقتصاد العالمي.
وإدراكًا لهذا، تدخل رامب مبكرا في الصراع العسكري بالكونغو الديمقراطية، ففي مارس الماضي عندما كانت جماعة إم23 المتمردة على الكونغو تهاجم منجم بيسي للقصدير، الذي ينتج حوالي 6% من إمدادات القصدير العالمية، وتديره شركة ألفامين المملوكة جزئيًا للولايات المتحدة، ورد أن الحكومة الأمريكية تدخلت للتفاوض على صفقة تسمح لشركة ألفامين بمواصلة عملياتها دون خوف من أي هجوم.
يأمل فريق ترامب أن يُسرّع توسيع الوصول إلى المناجم الكونغولية من تصنيع بعض التقنيات في الولايات المتحدة، مثل بطاريات أيونات الليثيوم وأشباه الموصلات. وقد جادل ترامب بأن نقل تصنيع هذه التقنيات إلى الداخل يُعدّ ضرورةً للأمن القومي ومفيدًا اقتصاديًا للبلاد.
لكن قبل أن تتحقق كل هذه الفرص والفوائد الاقتصادية، لا بد من انتهاء الحرب، وكان حفل التوقيع الجمعة الماضية الخطوة الأولى.
وهكذا يبدو أن مناجم الكولتان والكوبالت والذهب في الكونغو الديمقراطية وروندا، التي تُشغل الهواتف الذكية والمركبات الكهربائية، من بين تقنيات أخرى، محركًا رئيسا لترامب وإدارته نحو البلدين.
الصراع مع الصين
وفي إطار سباق الدول العظمى للسيطرة على المعادن، نجحت الصين في الوصول إلى الكونغو الديمقراطية مبكرًا إذ تهيمن الشركات الصينية في الوقت الحالي بشكل كبير على قطاع التعدين وخاصةً إنتاج الكوبالت، حيث تسيطر الشركات الصينية المملوكة للدولة والبنوك المركزية على حوالي 80% من إجمالي إنتاج مناجم الكوبالت .
ويعكس تزايد نفوذ الصين استراتيجيات استثمارية موسعة تقوم بتنفيذها داخل القارة السمراء، ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، ووفقًا لشعار البنية الأساسية (تقوم بها الصين لصالح الدولة) مقابل الحق في التنقيب عن المعادن.
كنوز المعادن
وتظهر الأهمية القصوى لدولة الكونغو الديمقراطية في اتساع مساحتها وتوفر قرابة 200 مليون فدان صالحة للزراعة، وامتلاكها لأكبر مناجم للثروات المعدنية الاستراتيجية في العالم، حيث تملك 60% من احتياطيات الكولتان العالمية، كما أنها أكبر منتج للكوبالت في العالم، حيث بلغت حصتها 70% من الإنتاج العالمي.
ويشكل الكولتان والكوبالت العمود الفقري للاقتصاد الرقمي العالمي والبنية التحتية للطاقة النظيفة، حيث يُستخدم الكوبالت المستخرج من مناجم الكونغو في تشغيل البطاريات القابلة لإعادة الشحن في الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والمركبات الكهربائية، وفي الوقت نفسه، يُعد النحاس الكونغولي أساسيًا في كهربة قطاعي الطاقة والنقل، ويمكن استخدام هذه المعادن في كل شيء، من بطاريات المركبات الكهربائية إلى الألواح الشمسية وطواحين الهواء.
إلى جانب الكوبالت والنحاس، توفر مناجم الكولتان في الكونغو معدن التنتالوم، وهو معدن أساسي لتصنيع المكثفات المستخدمة في جميع الأجهزة الإلكترونية تقريبًا، كما تمتلك احتياطيات كبيرة من العناصر الأرضية النادرة الأخرى التي تدعم تصنيع التكنولوجيا، وهي ذات أهمية بالغة للولايات المتحدة والصين.
ويمكن الإشارة إلى كنوز المعادن التي تملكها كل من الكونغو الديمقراكية وروندا في التالي:
أولًا: الكونغو:
• تمتلك 70% من احتياطيات الكوبالت العالمية وهي أكبر منتج له في العالم، ويتركز بشكل كبير في منطقة كاتانغا، ويدخل في صناعات السيارات الكهربائية والبطاريات القابلة لإعادة الشحن.
• تملك البلاد 70% من احتياطيات الكولتان العالمية، الغني بالتنتالوم المستخدم أساسًا في المكثفات الإلكترونية، والمعدات المقاومة للتآكل، والأدوات الطبية.
• المنتج الرئيسي للنحاس في إفريقيا، بـ 10 % من الإنتاج العالمي، مع احتياطات كبيرة من القصدير والتنغستن خاصة في المناطق الشرقية.
• تمتلك أكثر من 30% من احتياطيات الماس العالمية، وتعرف منطقة مبوجي-ماي بشكل خاص بإنتاج الماس عالي الجودة.
• توجد رواسب ذهب كبيرة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك مستويات نقاء عالية بشكل غير عادي (22-24 قيراطاً) في منطقة إيتوري.
• تمتلك الكونغو أيضًا احتياطات كبيرة من المنغنيز المستخدم لإنتاج الصلب وتكنولوجيا البطاريات، إضافة إلى عناصر أخرى مثل:الزنك والكادميوم والجرمانيوم والليثيوم والفحم.
ثانيًا: رواندا:
• أكبر منتج للتنتالوم في العالم (تُوفر أكثر من 22% من الإنتاج العالمي)،وأكبر منتج للتنغستن في إفريقيا (تصنف رابعاً عالمياً).
• وتمتلك أيضًا مناجم الذهب، والليثيوم والبريليوم، التي تزداد أهميتها لتكنولوجيا البطاريات، إضافة إلى عناصر أرضية نادرة، بما في ذلك الزركون والمونازيت والزينوتيم.
• ومن الثروات المعدنية في روندا أيضا الأحجار الكريمة النادرة مثل الياقوت والزمرد.
ويبدو أن جميع تحركات الرئيس الأمريكي، ذات وجهين؛ الأول لخطف الأضواء، وصناعة بطل قومي للسلام، وصورة وردية لأمريكا، والوجه الآخر هو استخدام أقصى درجات القوة عسكريًا، واقتصاديا، لتحقيق انتصارات كبرى على الدولة الأشد منافسة لأمريكا وهي الصين من ناحية، ولضمان السيطرة والهيمنة الكونية لأمريكا من ناحية أخرى.