الرواية الأولى

نروي لتعرف

الرأي

بدعم إماراتي مرتزقة كولومبيون في قلب الصراع السوداني

د. محمد حسب الرسول

في تطور خطير يعكس تصاعد الطابع الخارجي في الحرب الدائرة في السودان وعليه، أعلن الجيش السوداني الأسبوع الماضي عن تدميره طائرة إماراتية بعد هبوطها في مطار مدينة نيالا الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع، كانت تقل مرتزقة كولومبيين، وقتل في الطائرة نحو 40 مهندساً كولومبياً وعدد من المسؤولين الإماراتيين.
وقد كشفت مصادر إعلامية وإقليمية عن اعتماد هذه القوات على المرتزقة الكولومبيين، خصوصاً بعد فقدانها عدداً كبيراً من قادتها، إذ أوكلت إليهم مهام تشغيل الدفاعات الجوية والطائرات المسيّرة والأنظمة الإلكترونية.

مشاركة المرتزقة الكولومبيين الجدد في الحرب


كشفت تحقيقات صحافية كولومبية عن توظيف مرتزقة من كولومبيا في القتال الدائر بالسودان، ضمن قوات الدعم السريع منذ عام 2024، حيث شارك هؤلاء المرتزقة في عمليات قتالية على الأرض ضمن قوات الدعم السريع. وبدأت الحرب السودانية في الأساس بمشاركة مرتزقة من عدة دول أفريقية، إضافة إلى مقاتلين من اليمن وسوريا وليبيا، إلا أن دخول المرتزقة الكولومبيين شكل نقطة تحول نوعية، ما يؤكد أن الصراع لم يكن يوماً نزاعاً داخلياً بل هو عدوان خارجي معقد تستثمر فيه الإمارات وأطراف دوليون آخرون أدوات متعددة لتحقيق أهداف استراتيجية.
وفي إفادته لموقع “كولومبيا إنفوس” الكولومبي، قال أحد قادة المرتزقة الكولومبيين في السودان، ويُدعى “سيزار”، إنه جرى تجنيده ضمن شركات خاصة متخصصة في استقطاب المرتزقة من كولومبيا، حيث يتقاضى المرتزقة أجوراً شهرية تراوح بين 2000 و3000 دولار أميركي. وأوضح “سيزار” أن مهام المرتزقة شملت قيادة العمليات العسكرية في إقليمي دارفور وكردفان، وتشغيل الطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع الجوي، إضافة إلى تدريب المجندين المحليين، ما يعكس تصعيداً نوعياً في أساليب القتال وفي إداراة العمليات العسكرية.
وبحسب “سيزار”، فإنّ مدينة بوصاصو الواقعة في أرض الصومال، وتمتلك أبوظبي فيها قاعدة عسكرية استراتيجية، تلعب دوراً حيوياً كقاعدة لوجستية يجري من خلالها نقل المرتزقة الكولومبيين والأسلحة والإمدادات إلى مطار نيالا في جنوب دارفور، حيث تنطلق العمليات العسكرية. ويشير “سيزار” إلى أن هذه القاعدة لا غنى عنها لاستمرار العملية وأن الطائرات تدخل وتخرج عبرها باستمرار.

الإمارات ودور المقاول الممول في نكبة السودان

كشفت تقارير متعددة، أبرزها تحقيق صحيفة “واشنطن بوست” وتغطيات شبكة “سي إن إن”، إضافة إلى مذكرات رسمية مقدمة من مشرعين أميركيين وبريطانيين، عن دعم إماراتي مباشر لقوات الدعم السريع السودانية، يشمل توفير عتاد عسكري يتضمن أسلحة متطورة بينها طائرات مسيّرة ومعدات دفاع جوي ومدفعية، فضلاً عن تمويل العمليات العسكرية وتجنيد المرتزقة. وفي شهادة أمام الكونغرس، أقرّ وزير الخارجية الأميركي بدور الإمارات في دعم “الدعم السريع”، ما وضع علامات استفهام حول مدى التزام الإمارات بالقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التي تحظر تدفق السلاح إلى دارفور.
وقد توالت هذه المعلومات منذ منتصف عام 2024 مع نشر تقرير صحيفة “واشنطن بوست” في يوليو 2024، تلاه تحقيق “سي إن إن” في آب/أغسطس من العام نفسه، وصولاً إلى المذكرات والمرافعات التي قدمها عدد من المشرعين البريطانيين والأميركيين في تشرين الأول والثاني/أكتوبر ونوفمبر 2024، مطالبة بفرض عقوبات على الإمارات وفتح تحقيق دولي مستقل.

موقف الحكومة السودانية

في بياناتها المتعددة، آخرها البيان الصادر بتاريخ 4 آب/أغسطس 2025، أكدت وزارة الخارجية السودانية تورط الإمارات في دعم مليشيا الدعم السريع عبر رعاية مرتزقة أجانب، بمن فيهم الكولومبيون، وتوفير الدعم اللوجستي والأسلحة، ووصفت ذلك بأنه انتهاك صارخ للسيادة الوطنية وللقانون الدولي. دعا البيان المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف واضح تجاه هذه الانتهاكات وفتح تحقيق مستقل وشفاف في الدور الإماراتي في النزاع السوداني.
كما أضافت الوزارة أن هذه الظاهرة جرى توثيقها وتقديم مستنداتها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مؤكدة أن هذا التدخل الأجنبي يهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.

موقف حكومة كولومبيا تجاه مشاركة مرتزقة من بلادها

في أكتوبر 2024، قدم الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو اعتذاراً رسمياً للحكومة السودانية عقب كشف الجيش السوداني عن مشاركة مرتزقة كولومبيين في النزاع. واعتبر البيترو أن المشاركة الأولى لهؤلاء المرتزقة كانت تطوراً مقلقاً ومنافياً للقوانين الدولية، مؤكدًا رفض بلاده لهذه المشاركة التي لم تكن رسمية.
وفي تعليق له على الحادث، دعا الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو إلى سن قانون يجرّم الارتزاق، مكلفاً سفيرة بلاده في القاهرة بالتحقق من أعداد القتلى. وفي وقت سابق، أكدت وزارة الخارجية السودانية امتلاكها وثائق تُثبت تورط مرتزقة من كولومبيا ودول مجاورة بدعم وتمويل من أبوظبي، وقد جرى تقديم هذه الأدلة إلى مجلس الأمن، كما وثّقتها منظمات وتقارير استقصائية دولية.

انعكاسات هذه التطورات على الأمن الإقليمي والدولي

يشكل دعم الإمارات لمليشيا الدعم السريع عبر رعاية المرتزقة وتزويدهم الأسلحة والطائرات المسيّرة، انتهاكاً صارخاً للسيادة السودانية وقواعد القانون الدولي، كما يخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بحظر تدفق السلاح إلى دارفور. هذا التدخل يزيد من تعقيد الصراع ويعمق الأزمة الإنسانية، ويثير قلقاً دولياً وإقليمياً بشأن تصاعد التوترات الأمنية في منطقة القرن الأفريقي وما حولها.
تؤدي هذه التدخلات إلى تهديد أمن دول الجوار، خاصة مع وجود أسلحة متطورة وتجنيد للأطفال، ما يشكل عبئاً إضافياً على جهود السلام والاستقرار في المنطقة. كما أن التوسع في استخدام المرتزقة والوسائل الحديثة في القتال يزيد من احتمال تصاعد الصراع ويطيل أمد الحرب.
تؤكد التطورات الأخيرة أن حرب السودان ليست صراعاً داخلياً، رغم استخدام الخارج فيها لأدوات محلية سياسية وعسكرية، إنما هي عدوان خارجي جاء في صيغة حرب الوكالة التي تستغل فيها قوى إقليمية وأدوات محلية لتحقيق أهداف استراتيجية تتمثل في الهيمنة على السودان وتوظيف موقعه الجيوــ استراتيجي وثرواته في ظل التنافس والصراع الدولي على أفريقيا التي يعتبر السودان مفتاحاً لأبوابها.

اترك رد

error: Content is protected !!