د. إبراهيم الصديق
(1)
قضيتان تمثلان تحولا مهما فى المشهد وواقع المليشيا ، فى الأيام القادمة وقد بدت ملامحهما الآن وهما الموقف الدولى بما فيه القضايا السياسية و الجنائية ، وقصية المال والتمويل ، فالحرب ذات كلفة باهظة ، ومهما كانت مواقف بعض الدول والمنظمات داعمة ، فإن الذين خططوا لحرب خاطفة مع موارد فى البنوك واحتياط ، يواجهون مأزقا صعبا بعد 10 شهور ، وعصب دافعيتهم المال..
و قريبا ، ستعلن محكمة الجنايات الدولية قائمة من 35 مطلوبا للمحاكمة من قيادات المليشيا ومن بينهم عبدالرحيم دقلو وعبدالرحمن جمعة وصالح الفوتي.. وآخرين
التقارير التى بثتها بعض القنوات الفضائية وكبريات الصحف العالمية تتحدث عن (جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي فى دارفور) ، هذا جزء من المشهد..
والمشهد الثانى ، إعادة النظر فى المواقف الداعمة للمليشيا ، بعد حملة من التضليل قادتها قوى سياسية ، بمساهمة من اطراف دولية ابرزهم فولكر ، والايقاد والرباعية ، والان أنحسر ذلك الزخم ، غادر فولكر البلاد وتم ابعاد اليونتاميس وجمد السودان علاقاته بالإيقاد ، ولم تعد للسفراء فى الرباعية أو الترويكا أى فاعلية أو تأثير فى المشهد ، سوى منبر جدة ، وهو منبر للتفاوض حول الشأن الإنساني ، كما أن مسار سعى مبعوث الأمم المتحدة رمطان العمامرة أكثر عقلانية وواقعية..
و الاهم – أيضا- أن تحولات الميدان اسقطت إفتراضات خاطئة عن (إنتصار خاطف للمليشيا) ، لقد أشار كاميرون هدسون الخبير الأمريكي لذلك ، ووصف المليشيا بأنها (ظاهرة قصيرة النفس)..
وبالمقابل توسعت علاقات السودان مع دول أكثر تأثيرا و مردودا على المصالح السودان ومطلوبات المرحلة..
(2)
زاد الإنفاق العسكري العالمى بنسبة 9.9% فى العام 2023م ، وبلغ 2.2 تريليون دولار ، ويتوقع أن تتصاعد هذه النسبة فى العام 2024م ، لإستمرار قضية اوكرانيا وحرب غزة ومناطق توتر اخري فى العالم ، والسودان من بين تلك المناطق ، فكيف تواجه المليشيا تكلفة الحرب ؟
- لم تعد الحرب خاطفة واستمرت 10 أشهر ، واهلكت اغلب آليات وعتاد المليشيا المتهورة (10 ألف سيارة و 2500 مدرعة) ، واستنفدت كل المدخرات فى جلب المرتزقة ، وسلبت كل ممتلكات المواطنين وتم تهريبها إلى دول الجوار وتم تجميد الحسابات ووقف مصادر الدخل من الذهب والمضاربات و التهريب؟ والدعم الخارجي محاصر بالرقابة الدولية ، وليس من السهل تدفق أموال بعد اندلاع الحروب..
- أعتمدت المليشيا فى أيامها الأولي على مدخرات المواطنين والمؤسسات والمصانع فى التشوين والتعيينات والوقود ، وقد نفد ذلك وانقطع الوقود والتهريب ، وانعكس ذلك سلبا على القوات فى الميدان..
- تطاول الحرب ، افرز وتداعيات الحقوق ، أكثر من 4 أشهر لم تصل للجنجا مرتبات ، وحتى القتلى والجرحى وحقوق المجندين ، كلها شكلت ضغطا على موازنة المليشيا وداعميها..
- وكلفة تعويض العتاد والآليات أكبر البنود فى الحروب واصعبها..
اصبحت نزوة السلطة ذات كلفة عالية ، وهذا مأزق بلا خيارات ، سوى البحث عن مخرج.. - وعلى الصعيد نفسه ، فإن قضية التمويل شكلت مأزقا للحاضنة السياسية قحت وتقدم ، ومع حذر المنظمات وجماعات الضغط الخارجي من تمويل قوى سياسية ، تمت المناورة بقضية (قوى المجتمع المدني) ، ومع مرور الأيام ، فإن الدعم أنحصر فى ورش عمل واوراق نقاش ، وكما اشار السيد مبارك الفاضل المهدي ، فإن مليشيا الدعم السريع تمول التذاكر والاقامة ، وهذه مبالغ طائلة مع كثرة العدد وضعف المردود..
(3)
تبقى نقطة أخيرة ، نختم بها هذه الحلقات ، وهو زيادة الوعي المجتمعي بحجم المخطط الفعلي ، وأطراف هذه المخططات ، و مع سقوط قلة من (النخبويين) ، إلا أن أصحاب رأي وخبراء وأكاديميين وسياسيين من المحسوبين على تيار (قحت وقواها السياسية) ، هم فى حالة مراجعة للمواقف وتقييم للأمر ، وأنخرط بعضهم فى مواقف جهيرة ضد المليشيا وضد حاضنتها السياسية والمجتمعية ، وتاثير ذلك كبير على صانعي القرار والمؤثرين فى بعض الدول الغربية والتى تهتم بمواقف واتجاهات الراى العام ، وهذا أمر سنفرز له قراءة مختلفة بإذن الله…
وكثرة التقارير الإعلامية وتقارير الخبراء وآراء شخصيات كبيرة احدثت كذلك أثرا فى الحضور الإعلامى المتخبط للمليشيا والذي تحول لحملة من (الإنكار المفضوح) ، أو الكذب (الصريح)..
تقرير إستخباري نشرته صحيفة (الأحداث) أمس ، لخص كل هذه المؤشرات فى كلمتين (المليشيا تترنح)..!
21 فبراير 2024م